03 - مايو - 2024

ما هو دور المصارف الإسلامية بالعراق؟

لا تخفى حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني التي يمر بها العراق منذ فترة طويلة، إلا أنها في العام 2017 ارتفعت وتيرتها، من حيث المواجهات بين الدولة وتنظيم داعش الإرهابي (تنظيم الدولة الإسلامية)، ثم تداعيات الاستفتاء في إقليم كردستان العراق، وكذلك استمرار النزوح، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.

تشير تقارير برلمانية إلى أن معدل الفقر في العراق بلغ نحو 35% في 2017، بعد أن كان بحدود 17% في العام 2016، كما أن البطالة تقدر وفق أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي في 2016 بنحو 15.7%. والواقع أن معدلات الفقر والبطالة في مستويات أعلى من الأرقام المذكورة في المناطق التي تعاني من استمرار النزاع المسلح.

ولكن تبقى موارد العراق الاقتصادية تساعده بشكل واضح في توفير مقومات معيشية مرضية، إذا ما انتهت الأزمات السياسية، حيث لا تزال البلاد دولة نفطية مهمة وهي عضو بمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، ولديها نحو 143 مليار برميل كاحتياطي نفطي، وكذلك احتياطي يصل إلى 3.6 تريليونات متر مكعب من الغاز الطبيعي.

ونتيجة لحالة عدم الاستقرار السياسي والأمني، لا يزال العراق يصنف ضمن الدول النامية، بل يرزح منذ سنوات في تصنيف شديد السلبية على مؤشر الشفافية الدولية، فهو ضمن قائمة أفسد عشر دول على مستوى العالم، واحتل الرتبة 166 في عام 2016 من بين 176 دولة شملها تقرير منظمة الشفافية الدولية.

وفي ظل هذه الأجواء، يكون للجهاز المصرفي دور مهم عن طريق المساهمة في تمويل التنمية، فيعمل على تمويل المشروعات الإنتاجية، وزيادة معدلات إحلال المنتجات المحلية عوض نظيرتها المستوردة، وذلك لتحقيق أكثر من هدف، فالأول هو تحقيق الاستقلال الاقتصادي والوطني والتخلي عن التبعية، ثم بناء قاعدة إنتاجية صلبة تحمي البلاد من تقلبات السوق الدولية، وزيادة معدلات التشغيل ومكافحة البطالة، والحد من اتساع رقعة الفقر، والاهتمام ببناء تكنولوجيا وطنية.

واقع المصارف الإسلامية

تركز المصارف الإسلامية، منذ نشأتها منتصف سبعينيات القرن العشرين على دورها التنموي، كما أن فلسفتها تعتمد على قاعدة المشاركة كآلية للتمويل، والبعد عن الديون كآلية لتمويل النشاط الاقتصادي.

ولا يخفى على المتابع للشأن الاقتصادي الصعود الدائم لأعمال المصارف الإسلامية في العالم، وخاصة بعد الأزمة المالية العالمية في 2008، إذ أشار العديد من الخبراء والدراسات إلى سلامة البنى التمويلية لتلك المصارف.

ويشير التقرير السنوي لمجلس الخدمات المالية الإسلامية لعام 2016 إلى أن خدمات التمويل الإسلامي في العالم بلغت قيمتها 1.9 تريليون دولار، وثمة توقعات بأن تبلغ هذه الخدمات نحو 3.4 تريليونات دولار في عام 2018.

ووفق بيانات 2015، فإن المصارف الإسلامية استحوذت على النصيب الأكبر من خدمات التمويل الإسلامية بنحو 1.496 تريليون دولار، ثم الصكوك الإسلامية بنحو 290 مليار دولار، ثم أسواق المال الإسلامية بنحو 71.3 مليار دولار، والتأمين التكافلي بـ23.2 مليار دولار.

وبلغ عدد المصارف الإسلامية في العراق الثلاثين، برؤوس أموال قيمتها ثلاثة مليارات دولار، ولا تمتلك الحكومة سوى مصرف إسلامي واحد، وتستحوذ المصارف الإسلامية في العراق على نحو 50% من الحصة السوقية للمصارف الخاصة في السوق المحلية بحسب تقدير رابطة المصارف الخاصة.

"لا تمتلك الحكومة العراقية سوى مصرف إسلامي واحد، وتستحوذ المصارف الإسلامية في البلاد على نحو 50% من الحصة السوقية للمصارف الخاصة"

والجدير بالذكر أن القانون المنظم لعمل المصارف الإسلامية في العراق صدر في عام 2015. وهو ما جعل هذه المصارف تهتم على مدار الفترة القليلة الماضية بالبيئة التشريعية، وضرورة تطويرها لتواكب متطلبات العمل المصرفي الإسلامي بشكل جيد.

وتعكس هذه البيانات وجود رغبة كبيرة في السوق العراقية في التعامل مع المصارف الإسلامية، فمن الممكن أن ترتفع حصتها من السوق المصرفية في حالة تمكنت الحكومة من فرض الأمن والاستقرار في كل ربوع البلاد.

ولكن ثمة مؤشرات أخرى للنجاح لا بد أن تجتازها المصارف الإسلامية في العراق، وهي تلك المتعلقة بالتنمية، والتي أشرنا إليها في السطور السابقة.

تحديات الدور التنموي

ثمة مجموعة من التحديات التي تفرض نفسها على المصارف الإسلامية، ومنها ما يتعلق بالمناخ العام، واستقرار الدولة وسيادة القانون، وببنية المصارف الإسلامية نفسها، من ضرورة توفير الكوادر المدربة والمؤهلة لكسب أكثر شريحة من السوق، وابتكار أدوات تمويلية إسلامية جديدة، وكذلك الخروج من دوامة التأهيل الشرعي، والاستفادة من الجهود السابقة في مجلس الخدمات المصرفية الإسلامية، الخاصة بقواعد المحاسبة والتدقيق الشرعي.

إلا أن ما سنركز عليه هنا هو ذلك الدور التنموي للمصارف الإسلامية، والذي يراد منه بناء اقتصاد عراقي قوي، ومن هذه التحديات ما يلي:

- المساهمة في بناء الناتج المحلي الإجمالي: في الوقت الذي بلغ فيه هذا الناتج 171.4 مليار دولار في عام 2016 وفق بيانات البنك الدولي، نجد أن الصناعات الاستخراجية تساهم بالنصيب الأوفر بنسبة تصل إلى 53%، في حين تسهم الصناعات التحويلية بنسبة 2.6%، ولا تساهم الزراعة سوى بحصة متواضعة تقدر بنسبة 6%.

وتعد تركيبة الناتج المحلي الإجمالي للعراق أمرا طبيعيا في ظل الأجواء التي تعيشها البلاد، واستمرار النزاعات المسلحة، واستمرار اعتماد البلاد على النفط كنشاط اقتصادي رئيسي، فهو يشكل 99% من الصادرات السلعية.

ومن هنا، فالتحدي أمام المصارف الإسلامية العراقية هو النجاح في تمويل المشروعات الصناعية والزراعية التي تؤدي إلى تحسين مساهمتهما في الناتج، وخاصة الصناعات التحويلية ذات القيمة المضافة العالية.

"المطلوب من المصارف الإسلامية في العراق العمل على استقدام استثمارات أجنبية مباشرة للبلاد في مجال صناعة المعدات والآلات ووسائل النقل، عن طريق المشاركة"

- العمل على استقدام استثمارات أجنبية مباشرة للعراق في مجال صناعة المعدات والآلات ووسائل النقل، عن طريق المشاركة، بحيث تتمكن البلاد من إنتاج خطوط الإنتاج اللازمة للنهوض بالصناعة في الفترة القادمة، كما ينبغي أن تهتم المصارف الإسلامية في العراق بتمويل البحث العلمي وتوطين التكنولوجيا، بالتعاون مع الجامعات.

وليس بالضرورة أن يتم ذلك بشكل منفرد لكل مصرف، ولكن الأجدى أن يكون هناك عمل مشترك بين المصارف الإسلامية والحكومة، ولا مانع من مشاركة مصارف تقليدية أخرى طالما ستعمل وفق الآلات المصرفية الإسلامية في تمويل هذه المشروعات. فالواردات السلعية للعراق والتي بلغت نحو 50 مليار دولار في 2016، ومعظم الواردات تأتي في مجال السلع المصنعة، والعتاد والآلات ووسائل النقل.

تمويل المشروعات وآلية الصكوك

- بما أن استقرار العراق سيحل ولو في الأجلين المتوسط والطويل، فعلى المصارف الإسلامية أن تنشط في تمويل مشروعات البنية الأساسية، ومجالات التعليم والصحة، وذلك بالمساهمة في تمويل المشروعات عبر آلية الصكوك، إذ إنها آلية مناسبة لتمويل المشروعات الطويلة الأجل، وبالتالي سيكون المطلوب من أقسام التسويق بتلك المصارف إقناع المدخرين بضرورة الاستثمار في آلية الصكوك، وباقي الأدوات المالية الطويلة الأجل، من أجل الاعتماد على مصادر تمويل محلية، وعدم اللجوء للاستدانة الخارجية.

- في ظل ارتفاع معدلي البطالة والفقر بالعراق، يبقى التحدي هو الوصول بالتمويل إلى الفقراء والطبقة المتوسطة، حتى يمكنهم الخروج من حالة الفقر إلى المساهمة الجادة في النشاط الاقتصادي، وتعد المشروعات المتناهية الصغر من أفضل الآليات المناسبة في الحالة العراقية، ولكنها تتطلب انتشارا أكبر، ولا بأس أن يتم ذلك عن طريق مساهمة الجمعيات المعنية بالتمويل المتناهي الصغر، كما هو الحال في بنغلاديش وغيرها من الدول النامية.

- اتسم نشاط المصارف الإسلامية في العالم بارتفاع معدلات تمويل الأنشطة التجارية عبر آلية المرابحة، وهو أمر لا يمكن إنكاره، إذ إن المصارف الإسلامية ليست جمعيات خيرية، وإنها تعمل بأموال المودعين.

ولكن هذا لا يمنع من أن تقوم المصارف الإسلامية، بزيادة تفعيل معدلات الأدوات التمويلية الأخرى كالمشاركة والاستصناع والإجارة والمزارعة، وهي أدوات تسهم بشكل كبير في تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتحتاجها بشكل كبير الأنشطة الإنتاجية.

وتبقى المصارف الإسلامية في النهاية جزءا من النظام القائم، وتتأثر بالمناخ العام الذي يسود البلاد، وحتى تتحقق انطلاقتها وتنجح في تحقيق أهدافها ومواجهة ما ذكرناه من تحديات، لا بد من أن تكثف الدولة جهودها لتحقيق الاستقرار السياسي والأمني من جهة، ومكافحة الفساد بشكل كبير من جهة أخرى، فمن الصعوبة بمكان أن تنتعش أنشطة التمويل المعنية بالتنمية في ظل مناخ عام يتسم بمعدلات عالية من الفساد.

+974 4450 2111
info@alsayrfah.com