(13) تريليون دينار عراقي أصول المصارف الإسلامية في العراق
إن المتتبع لتجربة المصارف الإسلامية العراقية يلاحظ حداثتها مقارنة بالتجربة المصرفية الإسلامية في عموم العالم الإسلامي، حيث كان أول مصرف إسلامي تأسس في العراق، هو المصرف العراقي الإسلامي عام 1993، وهو مصرف خاص يمارس عمله ويخضع لإشراف ورقابة البنك المركزي العراقي، ويخضع لذات الضوابط التي تخضع لها المصارف التقليدية، ولم تصدر في حينها أية تعليمات تتعلق بالصيرفة الإسلامية.
بعد عام 2004 زاد عدد المصارف الإسلامية بالعراق، حيث تم منح العديد من التراخيص للمصارف الإسلامية بموجب قانون المصارف العراقي رقم (94) لسنة 2004 أسوة بالمصارف التقليدية، باستثناء إصدار تعليمات خاصة بالصيرفة الإسلامية صدرت في عام 2011، ثم صدر قانون المصارف الإسلامية رقم (43) في عام 2015 حيث يعتبر أول تشريع قانوني للصيرفة الإسلامية في العراق، وبموجب هذا التشريع تأسست مصارف إسلامية جديدة، بعضها نجم عن تحول شركات التحويل المالي إلى مصارف إسلامية، بينما تم إنشاء بعض المصارف الإسلامية الجديدة، وألزم القانون المصارف المؤسسة قبل نفاذ هذا القانون لتكييف أوضاعها، وبذلك بلغ عدد المصارف الإسلامية (31) مصرفاً، أحدها حكومي وآخر مختلط، والباقي مصارف إسلامية محلية أو أجنبية، كما هو واضح في الجدول.
وقد قام البنك المركزي بإصدار العديد من التعليمات المنظمة لعمل المصارف الإسلامية، ومازال مستمراً في هذا النهج، حيث إن هناك – قيد التشريع – قانون الصكوك الإسلامية، وكذلك هناك نية لتأسيس شركة التأمين التكافلي التي من المتوقع أن تقدم خدماتها للمصارف الإسلامية.
ونشر أ. د. أسامة عبدالمجيد العاني – المشرف على « منصة الاقتصاد الإسلامي» تحقيقا موسعا .. ننشر جزءا مما جاء فيه :
السلطة الرقابية :
البداية كانت من البنك المركزي العراقي، باعتباره السلطة الرقابية على المصارف الإسلامية، حيث توجهت «الاقتصاد الإسلامي» إلى السيدة قسمة صالح، مدير عام دائرة مراقبة الصيرفة، حيث أشارت إلى أن عدد المصارف الاسلامية في العراق اليوم هو 31 مصرفاً، ويقدر مجموع أصولها بحوالي (13) تريليون دينار عراقي، أما حجم الودائع في القطاع المصرفي الإسلامي فيقدر بحوالي (3) تريليونات دينار عراقي (سعر الدولار الأمريكي الواحد في السوق الموازية يعادل 1490 ديناراً عراقياً عند إعداد هذا التحقيق).
وقالت إن القطاع المصرفي الإسلامي في العراق مايزال في مرحلة النمو، وهو في تحسن مستمر، حيث تم تصنيف عدد من المصارف الإسلامية من قبل الوكالة الإسلامية الدولية للتصنيف (IIRA) التي اعتمدها البنك المركزي العراقي في عام 2020.
وتطرقت صالح بعدها إلى التشريعات التي سنّها البنك المركزي بعد القانون 43، حيث عمل على إصدار الضوابط التنفيذية لتنظيم عمل المصارف الإسلامية، فقد تم إصدار مجموعة من الضوابط في عام 2018 تمثلت في: ضوابط أداوات التمويل الإسلامي، وضوابط إدارة المخاطر في المصارف الإسلامية، ضوابط هيئة الرقابة الشرعية والتدقيق الشرعي الداخلي، ومراقبة الامتثال الشرعي. كما أصدر البنك المركزي العراقي في عام 2019 ضوابط التكافل لتوفير الإطار التشريعي لتأسيس شركات تأمين متوافقة مع أحكام الشريعة ومبادئها. وفي السياق نفسه أكمل البنك المركزي في عام 2019 مسودة قانون صكوك الاستثمار الإسلامي، من أجل إكمال البيئة التنظيمية للنشاط المالي والمصرفي الإسلامي، وأشارت إلى أن عملية إعداد هذه الضوابط استندت إلى المعايير الإسلامية الدولية الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (أيوفي) ومجلس الخدمات المالية الإسلامية بماليزيا. وفي ضوء قانون المصارف الإسلامية رقم 43 لسنة 2015 أشارت مدير عام دائرة مراقبة الصيرفة إلى نمو الدور الاستثماري للمصارف الإسلامية، حيث قامت بتأسيس شركات تابعة لها في مختلف المجالات (العقارية، الصناعية،, الخدمات المالية الخ)، وبما يسهم في تحسين الوضع الاقتصادي، حيث أتاح القانون للمصارف الإسلامية الاستثمار في مختلف المجالات وبما يحقق التنمية الاقتصادية. وتعد عقود المرابحة من أكثر صيغ التمويل الاسلامي استخداماً من قبل المصارف الإسلامية، حيث تشكل ما يقدر بأكثر من (65%) من إجمالي الصيغ المستخدمة من قبل المصارف الإسلامية.
كما شهد الدور الاجتماعي تطوراً من خلال الدور الذي تمارسه المصارف الإسلامية من خلال منتج القرض الحسن، فضلاً عن التبرعات والمساهمة في مبادرات البنك المركزي في إعادة تأهيل المواقع الأثرية والثقافية من خلال مبادرة» تمكين».
وحول قرار البنك المركزي بتحويل شركات التحويل المالي إلى مصارف، أجابت إلى أن عملية التحويل أسهمت في تنظيم السوق المالي وحصرت عملية التحويل من خلال القطاع المصرفي الذي يوفر إمكانية أكبر في تلبية متطلبات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وأضافت قائلة: إن العمل المصرفي الإسلامي في تطور مستمر، فضلاً عن أن هذا النوع من المصارف يحظى بقبول أكبر لدى المجتمع العراقي نظراً لكونها تتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية وأحكامها.
وحول الدور الرقابي الذي يمارسه البنك المركزي لتنظيم العمل المصرفي الإسلامي، ذكرت قسمة صالح أنه تم تأسيس قسم خاص ضمن دائرة مراقبة الصيرفة لمتابعة ومراقبة أعمال المصارف الإسلامية تحت مسمى (قسم مراقبة المصارف الإسلامية) ويتكون هذا القسم من مجموعة من الشُّعب المسؤولة عن تنظيم عمل المصارف الإسلامية من حيث الترخيص والتدقيق المكتبي والتفتيش الميداني ومراقبة الامثتال وإصدار التعليمات والضوابط ومتابعة عمل هيئات الرقابة الشرعية والضمانات العقارية، مشيرة إلى أن تعليمات البنك المركزي العراقي تلزم الهيئات الشرعية في المصارف الإسلامية بإصدار الفتاوى والقرارات في ضوء المعايير الإسلامية الدولية الصادرة عن (أيوفي)، حيث حرص البنك المركزي من خلال تعليماته على مجموعة الشروط الواجب توفرها في أعضاء الهيئات الشرعية في المصارف الإسلامية (منها على سبيل المثال لا الحصر ان يكون رئيس الهيئة من حملة الشهادات العليا لا تقل عن شهادة الماجستير في التخصصات الإسلامية ذات الصلة).
وقالت مدير عام دائرة مراقبة الصيرفة في البنك المركزي العراقي إننا نستعد في المرحلة الحالية وبالتعاون مع الجهات المعنية لتشريع قانون صكوك الاستثمار الإسلامي والذي سيوفر الإطار التشريعي لإصدار الصكوك الإسلامية من قبل البنك المركزي والوزرات الحكومية والقطاع الخاص.
تجربة حديثة :
مصطفى عيسى، مدير الرقابة والتدقيق في المصرف الإسلامي العراقي، قال إن إنشاء المصارف الإسلامية بالعراق جاء متأخراً عن باقي دول العالم الإسلامي، وبذلك فهو يقصر في الدور الجوهري المطلوب من الصيرفة الإسلامية، وذلك يعود إلى أسباب عديدة، فضلاً عن حداثة التجربة في العراق، وانخفاض الوعي المصرفي الإسلامي، كذلك إلى تفاوت الخبرة العملية لأصحاب المصارف وفي الصيرفه الإسلامية.
وقال إن المصارف الإسلامية تلبي الحد الأدنى من متطلبات المواطن، وإن غالبية المصارف الإسلامية يقوم عملها على منتج المرابحة مع فقدان كافة مزايا وفوائد المنتجات الإسلامية الأخرى.
وأبدى عيسى رضاه حول قانون المصارف الإسلامية بشكل عام، حيث غطى الفقرات الأساسية فقط من احتياجات الصيرفة الإسلامية، ثم عاد واستعان بقانون المصارف لأي فقرة لم يتطرق إليها القانون 43، مضيفاً: ينبغي إعادة صياغه القانون من جديد نظراً لأن القانون الحالي هو أول قانون سُنّ للمصارف الإسلامية (رقم 43 لسنه 2015) وكان حجم المصارف الإسلامية حينها لا يتجاوز خمسة مصارف وكان حجمها بالسوق لا يُذكر.
وقال مدير الرقابة والتدقيق في المصرف العراقي الإسلامي، تمثل علاقة الجهة المنظمة والمشرفة المانحة للإجازة، وأيضاً المصدر الوحيد لإصدار التعليمات والضوابط التي تحكم عمل المصارف الإسلامية، مشيراً إلى أن تعليمات البنك المركزي كافية وموجهة لأعمال المصارف الإسلامية ولكن نوصي بالتدرج بالتطبيق.
كما ينبغي على التعليمات أن تراجَع باستمرار، وأن تكون قابلة للتعديل، مشيراً إلى أن النسب التحوطية التي يفرضها البنك المركزي العراقي على المصارف الإسلامية مناسبة، إلا إنها تحتاح إلى تحديث ومتابعة دورية، وأثنى على برامج تأهيل الموظفين التي تواكب تطورات الصيرفة الإسلامية والمقدمة من البنك المركزي العراقي، إلا أنه ينبغي من البنك المركزي متابعة التطبيق العملي لذلك التأهيل ضمن العمل المصرفي اليومي.
وحول عمل الهيئة الشرعية في المصرف قال إن المصرف يضم في عضويته حملة شهادات الدكتوراه من ذوي الاختصاص، الأمر الذي يكسبها رصانة في إصدار الفتوى، مع ضرورة استمرار البنك المركزي في متابعه مراقبة عمل تلك الهيئات الشرعية لحساسية عملها والأهمية النسبية لها.
أول مصرف إسلامي حكومي :
الدكتور عماد رسن، معاون مدير عام مصرف النهرين الإسلامي، يقول إن مصرف النهرين هو أول مصرف حكومي إسلامي يهدف إلى نشر مباديء الاقتصاد الإسلامي عن طريق المعاملات الإسلامية بقيمها النبيلة، وتقديم الخدمات المالية والمصرفية المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، بالإضافة إلى تشجيع الاستثمار باستخدام التمويل الإسلامي الذي يحافظ على رأس المال من جهة وعلى حقوق المستثمر من جهة أخرى، وذلك بدمج أموال المستثمرين مع أموال المصرف في مشروعات استثمارية وتمويلية وفق صيغ الصيرفة الإسلامية بأشكالها المتعددة.
ويضيف قائلاً: لم تكن بداية المصرف موفقة بسبب جملة من المشكلات؛ تمثلت في قلة عدد الموظفين المتخصصين وانخفاض السجلات والأنظمة الإلكترونية، إلا أنه وخلال السنتين الأخيرتين بدأ المصرف باستقطاب موظفين من ذوي الكفاءات، والتعاقد على أنظمة حديثة، ونستطيع القول إن مسيرة المصرف باتت بالاتجاه الصحيح.
وحول علاقة المصرف بالبنك المركزي العراقي يقول الدكتور عماد رسن إنه في بداية تأسيس المصرف كان هناك الكثير من الإشكالات والتعارض بين التعليمات الصادرة من البنك المركزي ومتطلبات العمل المصرفي الإسلامي؛ منها إعداد الحسابات المالية والقوائم والائتمان وغيرها الكثير، وبعدها بدأ البنك المركزي بتعديل تعليماته حسب نوع المصرف؛ إسلامي أم تقليدي، وماتزال بعض المشكلات قائمة منها موضوع التأمين التكافلي.
+974 4450 2111
info@alsayrfah.com