التمويل الإسلامي يعزز مسيرة تطوير القطاع الزراعي في الدول العربية
القاهرة - يتميز الاقتصاد الإسلامي بالشمولية والتنوع وملاءمته لكل زمان ومكان وكل مجال من مجالات الحياة، ويوفر هذا النوع من التمويل مجموعة كبيرة من الأدوات الفعالة التي تناسب كافة القطاعات الاقتصادية.
ويعد القطاع الزراعي من بين القطاعات المهمة التي تتوفر لها صيغ وأدوات عديدة من صيغ التمويل الإسلامي، وقد لعبت البنوك الإسلامية دوراً مهماً في مسيرة تمويل وتطوير القطاع الزراعي في العديد من الدول العربية، وفق عقود أو صيغ تمويلية متوافقة مع الشريعة الإسلامية.
ووفقاً لدراسة حديثة أصدرها معهد التدريب وبناء القدرات، التابع لصندوق النقد العربي، ومقره أبوظبي، فإن التمويل الإسلامي يمكن أن يأخذ شكلين بالنظر إلى نوع التمويل الممنوح، فقد يكون تمويلاً نقدياً كما هو الحال في عقود القرض، والتورق، والسلم، والاستصناع، والمضاربة، وقد يكون تمويلاً حقيقياً كما هو الحال في عقود المرابحة، ويمكن أن يكون مزيجاً بينهما كما في عقود المشاركات التي يمكن أن يكون رأس المال فيها مزيجاً من النقود والأصول العينية.
وأشارت الدراسة التي تناولت «دور التمويل الإسلامي في تعزيز نمو القطاع الزراعي في الدول العربية» إلى أهمية القطاع الزراعي كإحدى أهم الأذرع الأساسية المحركة لعجلة الاقتصاد والتنمية، خصوصاً في الدول التي يعمل عدد كبير من مواطنيها في الأنشطة المتعلقة بالزراعة، كما تشكل مساهمة الزراعة في اقتصاداتها جزءاً لا يمكن تجاهله، بينما يلعب التمويل دوراً محورياً في إنجاح الموسم الزراعي ومن ثم الإنتاج بشكل عام.
ووفقا لتقرير أعده الزميل أحمد عبد الفتاح في « الاقتصاد الاسلامي» فقد أكدت الدراسة أهمية إصدار تشريعات وقوانين خاصة بالتمويل الإسلامي، وإنشاء مؤسسات مالية متوافقة مع الشريعة في الدول العربية للاستفادة من الصيغ المتنوعة للتمويل الإسلامي لصالح القطاع الزراعي، مشيرة إلى أن عقود التمويل الإسلامي توفر مجموعة متنوعة من العقود والآليات التمويلية التي يُتوقع أن يؤدي وضعها حيز التطبيق إلى الإسهام في حل جزء من تحديات نقص التمويل للقطاع الزراعي بالدول العربية، خاصة وأن بعض عقود التمويل الإسلامي وُجدت خصيصاً لتمويل القطاع الزراعي، من ذلك: عقد السلم، عقد المُزارعة، وعقد المُساقاة، حيث تستهدف هذه العقود تمويل دورة الإنتاج الزراعي بشكل مباشر، في حين يمكن تطبيق صيغ تمويل أخرى كالمرابحة والإجارة والتورق في تمويل رأس المال العامل المستخدم في القطاع الزراعي، إضافة إلى توفر التمويل المتوافق مع الشريعة الإسلامية.
صيغ التمويل الإسلامي:
واستعرضت الدراسة أهم صيغ التمويل الإسلامي، وكيف يمكن هيكلتها لتمويل الزراعة بشكل عملي، من خلال عقود التمويل الإسلامي مثل السلم والمرابحة والاستصناع، وعقود المشاركة والمضاربة، والمزارعة، والمساقاة، والمغارسة.
وأوضحت أن أسس التمويل الإسلامي عموماً تقوم على منع كل ما يؤدي إلى وقوع الظلم أو الغبن أو النزاع على أي من أطراف المعاملة، فهي تضمن العدل والتكافؤ بين أطراف العقود؛ ما يؤدي إلى التوازن والاستقرار على المستوى الكلي.
وأشارت الدراسة إلى كل من عقود المعاوضات وعقود التبرعات، وأن لكل منها وظيفة تمويلية، لكنهما يختلفان من حيث الآثار المترتبة عن كل منهما، ففي عقود المعاوضة يحصل كل طرف من أطراف العقد (المعاملة) على عِوض أو مقابل، ومن أمثلة عقود المعاوضات عقد البيع، أما عقود التبرعات التي غايتها الإحسان للناس وتحسين مستوى معيشتهم ورفاهتهم، فتكون من دون مقابل، ومنها الوقف، والصدقة، والكفالة، والقرض الحسن.
ووفقاً للدراسة يعتبر عقد السَّلم أحد عقود البيع الآجل، ويغلب استخدامها في التمويل المتعلق بالأنشطة الزراعية المختلفة، ويُعرف السلَم بأنه بيع آجل بعاجل، حيث يُقبض الثمن أو رأس مال السلم عاجلاً قبل استلام المبيع المعلوم في الذمة، ويستخدم المزارع رأس المال المقبوض سلفاً لتغطية تكاليف العمليات الزراعية من تحضير الأرض وشراء البذور والأسمدة ومستلزمات الحصاد وغيرها، مما يسهم في التيسير على الناس، وكأي عقد من العقود لابد أن يتوفر في عقد السلم العناصر الرئيسة المتمثلة في البائع والمشتري، أي المسلِم والمسلَة إليه.
بديل إسلامي :
وتشير الدراسة إلى أن المزارعين قد يلجأون إلى الحصول على التمويل المطلوب من البنوك الزراعية، وفي هذه الحالة يكون المزارع هو البائع والبنك هو المشتري، والعنصر الثاني هو المبيع أو المعقود عليه، فلابد من وجود بضاعة أو سلعة مؤجلة التسليم للمشتري، فعلى سبيل المثال قد تكون السلعة الزراعية قمحاً يسلم إلى جهة مانحة للتمويل (الذي هو في هذه الحالة البنك) عند الحصاد، والعنصر الثالث هو رأسمال السلم (كمية وسعر السلعة محل العقد)، ولابد من الاتفاق على قيمة نقدية للسلعة المؤجل حصول المشترى عليها إلى وقت لاحق لتاريخ توقيع العقد، أما العنصر الرابع فهو الايجاب والقبول أو العقد الذي يوقع بين المزارع والبنك بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية.
وتؤكد الدراسة إلى أن عقد السلم هو أحد أشهر أدوات التمويل الإسلامي، التي يمكن الاعتداد بها كبديل لأدوات التمويل التقليدية أو الربوية وربما أكثرها تطبيقاً، مع الأخذ في الاعتبار وجود اختلافات بين طريقتي التمويل، وعلى عكس القروض التقليدية، تأخذ عقود السلم صبغة تجارية، باعتبار أن المزارع يقوم بتبادل بضاعة معينة (مؤجلة) مع البنك الذي يسلم قيمة البضاعة (معجلة) للمزارع.
وتوضح الدراسة أن المصلحة للمُزارع تقع بحصوله على التمويل المطلوب وتتحقق للبنك الأرباح من خلال الفرق بين قيمة البضاعة المؤجلة عند استلامها والمبالغ المدفوعة سلفاً، حيث تخفف عقود السلم الكثير من التكاليف عن المزارعين بالأخص والمتعلقة بعمليات ما بعد الحصاد، مثل التخزين والنقل والتسويق.
وتشير إلى أنه في كثير من الأحيان تحاول البنوك بقدر الإمكان التقليل من المخاطر والتكلفة لضمان أرباح أعلى، لذلك استحدثت الكثير من البنوك الإسلامية ما يعرف بعقود السلم الموازية، فتقوم فكرة عقد السلم الموازي على أن البنك يبحث عن مشتري لسلعة بنفس مواصفات السلعة في عقد السلم الأول، ويكون العقد بين البنك وطرف ثالث منفصل عن العقد الأول، فعلى سبيل المثال إذا دخل أحد البنوك في عقد سلم مع أحد المزارعين وكان المبيع قطناً؛ يمكن للبنك إنشاء عقد جديد مع جهة أخرى (مصنع للغزل مثلاً) يبيع له القطن بنفس مواصفات العقد الأول، مع الإشارة إلى أن العقدين غير مرتبطين ببعضهما البعض، أو دون تعلق عقد السلم الموازي بنفاذ عقد السلم.
المرابحة :
ووفقاً للدراسة فإن المُرابحة تعد أحد العقود المستخدمة من قبل البنوك الإسلامية لتمويل الأنشطة الإنتاجية المختلفة في القطاع الزراعي، حيث تعمل البنوك عادة على توفير مستلزمات الإنتاج الزراعي من بذور وأسمدة أو مدخلات الإنتاج المختلفة وبيعها للمزارعين عن طريق عقود المرابحة.
وتوضح أن مفهوم المرابحة يعتمد على البيع بالسعر الأول مع إضافة ربح محدد، والمرابحة كعقد بيع يكون بين طرفين أحدهما المالك للسلعة والآخر المشتري، ويشترط في العقد معرفة الطرفين للسلعة محل العقد وأن يكون سعرها الأول ومقدار هامش الربح معلوماً، بالإضافة إلى الاتفاق على تفاصيل استلام السلعة محل العقد وتفاصيل السداد، موضحة أن هناك نوعين من المرابحة؛ المرابحة العادية التي تكون بين البائع والمشتري مباشرة وتقوم على أن يشتري الطرف الأول سلعة ثم يعرضها للبيع مرابحة، أما المرابحة للآمر بالشراء فتكون عادة بين طرفين (البائع والمشتري) والوسيط بينهما وهو البنك الذي يقوم بالشراء طبقاً لطلب المشتري ووعده بشراء المنتج حال شراء البنك له من البائع.
كما أن صيغة الاستصناع أيضاً من عقود التمويل الإسلامي المهمة للمساعدة في تمويل إنشاء المزارع الجديدة أو تصنيع البيوت المحمية، وتركيب أنظمة الري الحديثة، وشق القنوات أو إنشاء طرق لتوصيل المزارع بالمدن والطرق الرئيسة وغيرها من الأنشطة التي تحتاج إلى تدخلات صناعية.
وتشير إلى أن الاستصناع هو طلب الصنعة، وفي التمويل هو عقد يكون بين طرفين يطلب الأول (المُستصنع أو المشتري) من الثاني (الصانع أو البائع) القيام بصنع سلعة (المصنوع) محددة وتحمله لتكاليف الانتاج على أن يتسلم المُستصنع السلعة محل التصنيع في وقت معين (لاحق لتاريخ العقد)، وبسعر يُتفق عليه يُدفع عاجلاً أو آجلاً، وفي التطبيق المصرفي يمكن للبنك أن يدخل في عقود الاستصناع إما صانعا ً أو مستصنعاً من خلال هيكلة تسمى الاستصناع مع الاستصناع الموازي، وتشير هذه الهيكلة إلى عقدين، الأول يدخل فيه البنك الإسلامي كصانع مع الشخص الراغب في شراء السلعة أو المُستصنع، ويجوز تأجيل سداد قيمة السلعة محل التعاقد، أما العقد الثاني فيدخل البنك فيه كُمْستَصنع مع جهة تكون من أهل الاختصاص لصُنع السلعة المحددة في العقد الأول، وغالباً ما يكون المبلغ مُعجلاً وأقل من مبلغ العقد الأول.
التمويل الزراعي بالمشاركة :
وفيما يتعلق بالتمويل الزراعي القائم على أساس المشاركة توضح الدراسة أن عقود المشاركة تعد إحدى الطرق المستخدمة من قبل البنوك الإسلامية لتمويل القطاع الزراعي، حيث يدخل البنك في مشاركة مع المزارعين مُلّاك الأراضي بنسبة من رأس مال المشروع الذي يتضمن قيمة الأرض، وتحدد بالعقد مدة المشروع، مشيرة إلى أن مفهوم المشاركة يدل على وجود شراكة بين طرفين أو أكثر، وهي تتم بإطار عقد بين طرفين أو أكثر بغرض الاستثمار المشترك، وتكون المشاركة في رأس مال المشروع المراد الاستثمار فيه، ويكون الاشتراك في الربح أو الخسارة حسب نسبة المشاركة في رأس المال، التي ليس بالضرورة أن تكون متساوية، بل غالباً ما تكون حسب ما هو متفق عليه ضمن بنود العقد.
وتؤكد أن «المُضاربة» تعتبر من العقود التي توفر الحلول الجيدة لمن لا يمتلكون الأراضي الزراعية من المزارعين، حيث يقوم البنك مثلاً بتوفير التمويل اللازم، وتعد المضاربة مفهوماً تمويلياً متوافقاً مع الشريعة مأخوذاً من الضرب في الأرض للسعي والتجارة بغرض الربح، وتتمثل عقود المضاربة في شراكة بين طرفين أو أكثر، حيث يقدم أحد الأطراف مالاً (رب العمل) والآخر عملاً أو خدمة (مضارب)، على أن يكون الربح حسب النسبة المتفق عليها في عقد المضاربة، أما في حالة حدوث خسائر مالية فيتحملها صاحب المال، على أن يخسر المُضارب الوقت والجهد، ويشترط في رأسمال المضاربة أن يكون مالاً وليس ديناً (قرضاً) يسلم للمضارب، وقد تكون المُضاربة مطلقة، حيث لا يشترط رب المال على المُضارب نوع النشاط الذي يجب الدخول فيه، وقد تكون المضاربة مقيدة، فيشترط رب المال على المُضارب المجال أو نوع الأنشطة التي يمكن الانخراط فيها.
+974 4450 2111
info@alsayrfah.com