26 - أكتوبر - 2025

   

الفقه الإسلامي يدعم خطط التنمية التي تستهدف الارتقاء بالإنسان

4 إبريل 2022

أكد علماء الأزهر الشريف على دور الفتوى في نشر مفاهيم التنمية المستدامة، ودعم أفكار وخطط النمو، واستمرارية العمل والإنتاج، كما تعمل على الارتقاء بالبنية التحتية، وتنمية القدرات والموارد البشرية، مع الحفاظ على استدامة هذه الموارد والاستفادة منها، والعمل على زيادة القدرة المحلية على التخطيط والإدارة والمشاركة الفعالة.

جاء ذلك خلال الملتقى الفقهي الأول تحت عنوان «الفتوى الإلكترونية ودورها في التنمية المستدامة» والذى نظمه الثلاثاء مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية في الخامس عشر من مارس 2022، تحت رعاية الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وحضره لفيف من كبار علماء وفقهاء الأزهر الشريف، بهدف دعم جهود التنمية، والتأصيل العلمي لدور الفتوى الإلكترونية في التنمية المستدامة، إلى جانب تقديم خطط ورؤى وأفكار تتعلق بالخطاب الإفتائي بما يدعم أهداف التنمية التي تتطلع إليها كافة دول العالم الإسلامي.

وأوضح العلماء أن الشريعة الإسلامية من خلال كُلياتها ومقاصدِها العامة وضعت أُطُرا عامة غير مسبوقة في الحفاظ على تحقيق أهداف التنمية المستدامة في جميع المجالات، كما أكدت على دور الشباب في دعم هذه الأهداف والنهوض باستراتيجية التنمية المُستدامة، والعمل على مجابهة التغيرات والطوارئ المستقبلية ووضع الحلول المناسبة لها.

وطالب العلماء بضرورة تجديد الخطاب الإفتائي المعاصر؛ لمواجهة خطر الفكر المنحرف الذي يعرقل تحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ وترسيخ الفهم الصحيح للدين الحنيف بمنهجه المعتدل في إرساء قِيَم التسامح والسلام والمواطَنة والتعايش المشترك، ودحض شبهات الفكر الجامد المتطرف وتفنيد تأويلاته الشاذة والمنحرفة.

وشدد العلماء على أهمية «الفتوى الإلكترونية» ومَسيس الحاجة إليها في العصر الحاضر، بعد أن أصبحت أهم الوسائل التي تعتمد عليها المؤسسات الدينية المتعددة في تصحيح المفاهيم المغلوطة، وبيان صحيح الدين، ودعم الاستقرار المجتمعي.

الفتوى‭.. ‬وبناء‭ ‬الإنسان

فى البداية أكد الدكتور حسن الصغير، أستاذ الشريعة الإسلامية والأمين العام لهيئة كبار العلماء بالأزهر، على دور الفتوى الدينية الصحيحة في بناء الإنسان ودفعه إلى العمل والإنتاج، فالإنسان هو ركيزة أساسية لتحقيق أية تنمية مستهدَفة؛ لذا تأتي أهمية إطلاق البرامج الشاملة للتوعية الأسرية والمجتمعية بالتعاون مع كافة مؤسسات الدولة وهيئاتها ووزاراتها؛ للمحافظة على الأسرة وحمايتها من التفكك؛ لكونها وحدة بناء المجتمع، وأحد أهم عوامل استقراره، وتحقيق رفاهيته وتقدمه.

وقال الدكتور الصغير: إن أصول التشريع الإسلامي قد تنبهت إلى قضية التنمية المستدامة منذ نزول القرآن الكريم والوحي على رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، بما يؤكد أن التراث الإسلامي يزخر بملامح التنمية المستدامة، مؤكداً أن هناك تأثير وتأثر متبادل بين مجالي الفتوى الإلكترونية والتنمية المستدامة، وأن الخطاب الإفتائي والدعوي بلا شك هو أداة قوية لتحقيق التنمية المستدامة.

د‭. ‬حسن‭ ‬الصغير‭: ‬يجب‭ ‬تشجيع‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬الاستثمار‭ ‬الحلال‭ ‬ودعم‭ ‬خطط‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة

وأوضح الأمين العام لهيئة كبار العلماء، خلال كلمته بالملتقى الفقهي، أن ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أثرت بشكل كبير في تطور آلية وصول الفتوى الشرعية إلى الجمهور المتلقي، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، واللقاءات التفاعلية المباشرة مع الجمهور، حتى أصبح المفتي الآن مهموماً بالاطلاع على كَمٍّ أكبر من القضايا والإلمام بكافة التخصصات، كما أن المؤسسات الدينية والإفتائية أصبحت تبادر بتوضيح الرأي الشرعي في القضايا التي تشغل الرأي العام، والتي يتم رصدها من خلال مراكز متخصصة في الرصد الإلكتروني.

واقترح الدكتور الصغير أن يتم العمل على تطوير فقه الخلاف والحوار، بما يضمن وصول الناس إلى مرحلة متقدمة من الوعي بقبول الرأي الآخر، بالإضافة إلى ضرورة تغذية الرأي العام بفقه التمويلات الاستثمارية من أجل تشجيع الناس على الاستثمار لدعم خطط التنمية المستدامة.

التكنولوجيا‭ ‬والتنمية‭ ‬المستدامة

وأكد الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، الأستاذ الدكتور نظير محمد عياد، أن عصرنا يشهد تغيرات هائلة في العلم والثقافة والاجتماع والأدب، وكثير من هذه التغيرات كانت في الغالب انعكاساً للعولمة التي جعلت من العالم قرية إلكترونية صغيرة تترابط أجزاؤها عن طريق الأقمار الصناعية، والاتصالات الفضائية، والقنوات التلفزيونية، وقد ظهرت تلك التطورات الهائلة في مجال تكنولوجيا التواصل والاتصال، وصار الفضاء الإلكتروني الجديد هو الأرض الخصبة لنشر الأفكار والآراء والمعتقدات والفلسفات، التي اقتحمت على الناس بيوتهم من خلال الهواتف الذكية وما تشتمل عليه من تطبيقات وبرامج.

وأوضح الدكتور عياد أن التكنولوجيا الرقمية تعد هدفاً مـن أهـداف التنمية المستدامة التي تم الإعلان عنها من خلال قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة تحت عنوان «تحويل عالمنا» في عام 2015 مـن خـلال تسخير الإمكانات اللامتناهية التي توفرها تقنية المعلومـات مـن أجـل إحلال تنمية مستدامة اجتماعية تهدف إلى تحويل المجتمع إلى مجتمع معلوماتي، مؤكداً أن معظم المؤسسات الدينية وخاصة الإفتائية في العالم وفي مقدمتها الأزهر الشريف قد سعت واجتهدت وحققت نجاحاً ملحوظاً في توظيف التكنولوجيا لنشر التعاليم والقيم الإسلامية الداعمة للتنمية.

د‭. ‬نظير‭ ‬عياد‭: ‬نحن‭ ‬بحاجـة‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬سياسات‭ ‬وأساليب‭ ‬جديدة‭ ‬لنشر‭ ‬الدين‭ ‬الوسطي

وشدد الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية على أن المسؤولية الملقاة على عاتق مؤسسات الفتوى ورجالها كبيرة في ضرورة مسايرة العصر بمعطياته التي يعيشها الناس في التعامل مع هذه التكنولوجيا الرقمية؛ خاصة في ظـل هـذه التـحـديـات صـارت الحاجـة ملـحـة إلى استخدام استراتيجيات جديدة لنشر الدين الوسطي، والفكر المستنير.

كما أكد الدكتور عياد أن عدم انضباط أمر الفتوى الإلكترونية وصدورها (في الغالب الأعم) من غير المتخصصين ذوي الخبرة والدراية بالأحداث والأزمان، ومـا يناسبها مـن فـتـاوى في أحكام قابلة للاجتهاد، وكذلك بسبب صدورها عن بعض الجماعات المنحرفة التي تحكمهـا الأهـواء والنزعات السياسية؛ فقد خرجت على المجتمع في كثير من الأحيان فتاوى تخالف أصول الدين وأدلته الصحيحة، وتخالف كذلك إجماع الأمة سلفاً وخلقاً (من خلال المجامع الفقهية المتعـددة)، وتسعى جاهدة إلى هدم المقاصد التي جاء الشرع بحمايتها، كل هذا يؤدي إلى مناهضة التنمية المستدامة بتكدير الصفو والسلم المجتمعي، وزعزعة استقرار الأوطـان، والعبث باقتصادات الدول، وإحداث الفتن الطائفية بين أبنـاء الـوطن الواحد.

تشريعات‭ ‬رادعة

من جانبه دعا الدكتور محمد المحرصاوي، رئيس جامعة الأزهر، إلى منع تصدر غير المتخصصين للفتوى الشرعية، قائلاً: «لو تصدر غير المتخصص في الطب أو القانون لتعرضوا لعقوبات رادعة، لكن للأسف الحديث في أمور الدين أصبح مشاعاً بين الجميع، ومعظم المتحدثين في أمور الدين في الفضاء الخارجى غير متخصصين وغير مؤهلين، وما يصدر عنهم من فتاوى معظمها تضر بحالة الاستقرار والتنمية في البلاد الإسلامية.

د‭. ‬محمد‭ ‬المحرصاوي‭: ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المتحدثين‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬الدين‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬الخارجي‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المتخصصين

وأضاف رئيس جامعة الأزهر قائلاً: للأسف أصبح الدين مهنة من لا مهنة له، وهذا الأمر ينبغي مواجهته بتشريعات رادعة حتى نحمي العقل المسلم من الفتاوى المحرضة على عدم العمل والإنتاج، أو إباحة العنف والتخريب، وهي كثيرة ومتنوعة، مشدداً على ضرورة أن يكون المفتي موسوعيًا يتصف بصفات علمية معينة تمكنه من التصدر للفتوى، وأن يكون متقناً للغة العربية، مؤكداً أنه من الخطأ الشديد أن يتقوقع المفتي داخل التخصص، خاصة في وقت فرض فيه التطور في وسائل التواصل تنوعاً في كافة المجالات، محذراً من خطورة ترك الجماعات المتطرفة تسيطر على الفضاء الخارجي وشبكات التواصل بين الناس وتبث سمومها وما تحمله من فكر هدّام يضر بخطط وبرامج التنمية في بلادنا الإسلامية.

التوصيات

وبعد مناقشات عليمة مستفيضة استمرت 4 ساعات بين العلماء وجمهور الحاضرين من العلماء والدعاة والباحثين، ناشد الملتقى الفقهي الأول لمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية جميعَ الهيئات والمؤسسات المعنية بما يأتي:

1- ضرورة التعاون والتكاتف بين كل مؤسسات المجتمع ومؤسسات الفتوى من أجل تحقيق أهداف التنمية. 

2- أهمية عقد الندواتِ التثقيفية، والدوراتِ العلمية والتوعوية للجمهور بهدف الإسهام في الارتقاء بالمستوى الفكري والثقافي لأفراد المجتمع؛ وتعزيز الوعي والاهتمام بالقضايا الاقتصادية والسياسية والبيئية المتعلقة بالتنمية المستدامة.

3- ضرورة إطلاعِ المؤسسات الإعلامية على حقيقة دورها في دعم الفتوى الإلكترونية فيما يتعلق بتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتقديم ذلك للمجتمع.

4- ضرورة سن تشريعات قانونية قوية ورادعة، من شأنها المحافظة على تحقيق أهداف التنمية المستدامة في المجالات المختلفة.

5- أهمية توجيه عنايةِ المؤسسات العلمية والأكاديمية بضرورة إعطاء الأولوية في البحوث والرسائل العلمية في الفترة الحالية لمناقشة قضايا التنمية المستدامة من حيث آليات تحقيق أهدافها، والتحديات التي تواجِهها في هذا الإطار وطرق التغلب عليها، وكذلك تقديم المشورةِ والرأيِ العلميِ، والمشاركة الفعالة في خدمة المجتمع ببرامجِ عمل قابلة للتنفيذ على أرض الواقع.

6- ضرورة إنشاء اللجان والوحدات المتخصصة لدعم جهود التنمية المستدامة في جميع هيئاتِ الدولة المصرية ومؤسساتِها، وذلك بهدف المشاركة الفاعلة والإسراع في تحقيق أهداف التنمية على أرض الواقع.

+974 4450 2111
info@alsayrfah.com