دور الصيرفة الإسلامية في تجنب الأزمات الاقتصادية العالمية
لقد تعرض الاقتصاد العالمي لأزمة مالية حقيقية في العام 2008، بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية، وعصفت باقتصادات الدول المتقدمة والنامية على السواء، حيث كشفتش الأزمة عن هشاشة النظام الرأسمالي. وقد تمثلت مظاهرها في أزمة سيولة نقدية أدت إلى انهيار وإفلاس العديد من المصارف الأمريكية وتدني أسعار الأسهم وانخفاض مؤشرات البورصة، وامتد تأثيرها إلى اقتصادات بعض البلاد العربية، وتفاوت أثرها على حسب التشابك والاندماج في الاقتصاد العالمي.
وقد بينت هذه الأزمة أن المصارف الإسلامية كانت أقل تأثراً من غيرها، وهو ما أسهم في إعادة طرح النظام المصرفي الإسلامي باعتباره حلاً تناولته الندوات والمؤتمرات تدقيقاً وتمحيصاً للتجربة المصرفية الإسلامية، وكان من نتيجة ذلك ظهور النوافذ الإسلامية بالتتابع تلبية لطلبات العملاء، وكذلك طرحت مراكز البحوث أفكاراّ وعرضت حلولاً ومخارج شرعية، وهو ما أدى إلى زيادة النشاط المصرفي الإسلامي من 267 بنكاً إسلامياً في نهاية 2003 إلى ما يزيد عن 500 بنك سنة 2011، بالإضافة إلى الفروع والنوافذ الإسلامية التي يزيد عددها عن 320 بنكاً في 57 دولة في العالم.
كلية التجارة – جامعة عين شمس
الطالبة : رباب علي عبدالحميد
إعداد وتقديم: د. كوثر الأبجي
أهمية التمويل الإسلامي
حتى إن الكاتب «يوفيس فانسون» كتب في صحيفة «Challenges» مقالة بعنوان «البابا أو القرآن» قال «أظن أننا بحاجة أكثر إلى قراءة القرآن بدلاً من الإنجيل لفهم ما حدث بنا وبمصارفنا لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد بالقرآن من تعاليم وأحكام وطبقوها ما حلت بنا الكوارث والأزمات وما بلغنا هذا الحال، لأن النقود لا تلد نقوداً».
كما أشارت الكاتبة الإيطالية «لوريتا نابليوني» في كتابها «الاقتصاديات المارقة» إلى أهمية التمويل الإسلامي ودوره في في إنقاذ الاقتصاد الغربي، حيث بينت أن المصارف الإسلامية يمكن أن تكون بديلاً مناسباً للمصارف الغربية، فمع انهيار البورصات وأزمة القروض في الولايات المتحدة سنة 2008 فإن النظام المصرفي التقليدي بدأ يتصدع ويحتاج إلى حلول جذرية عميقة.
وقد قامت دراسات عديدة ونظريات كثيرة بالبحث في موضوع الأزمات الاقتصادية واقتراح الحلول لها بما يؤكد أنها كانت حلولاً مؤقتة لأنها تنبع من الفكر الوضعي، ولكن ما حدث مؤخراً من انهيارات وكساد وارتفاع نسب البطالة أدى إلى مطالبة المجتمع الدولي بإعادة النظر في النظام المالي الحالي للبحث عن نظام مالي يجنب العالم ويلات الأزمات المالية المتكررة، وبذلك فتح الباب أمام المصرفية الإسلامية لإثبات وجودها واعتبارها بديلاً وملاذاً لتلافي تكرار الأزمات، ومن هنا تكمن أهمية هذه الدراسة في الوقوف على دور المصرفية الإسلامية في التحمل الاقتصادي للأزمات المالية وتجاوزها في المستقبل.
وقد ركز البحث على المحاور الآتية:
– التعرف على الأزمة المالية العالمية عام 2008 وموقف المصرفية الإسلامية منها.
– مدى تأثر المصارف الإسلامية بالأزمة المالية العالمية.
– حدود المصارف الإسلامية في إدارة الأزمات المالية.
– مدى قدرة المصارف الإسلامية الحالية على إدارة الأزمة المالية العالمية عام 2008.
– التحديات والمشكلات التي تقف عائقاً أمام نمو المصارف الإسلامية.
– التعرف على معايير الرقابة الدولية وكيف استطاعت المصرفية الإسلامية تطويعها لاعتمادها وتطبيقها.
النتائج
وقد خلصت الدراسة للنتائج التالية:
أولاً – ثبت أنه كان للأزمة المالية العالمية في الولايات المتحدة عام 2008 دوراً في اتساع نطاق المصرفية الإسلامية سواء أكان ذلك على صعيد الدعوة إلى دراستها أو إلى اعتمادها.
ثانياً – تأكد تأثر المصارف الإسلامية بالأزمة المالية العالمية 2008 .
ثالثاً – ثبت مساهمة أساليب التمويل الإسلامية في التغلب على الأزمات المالية والقدرة على تجنبها في المستقبل.
رابعاً – ثبت أن المصارف الإسلامية العاملة على الساحة الاقتصادية ليس لها قدرة على إدارة الأزمة المالية العالمية 2008.
خامساً – اختلاف طبيعة عمل المصارف الإسلامية عن التقليدية لم يمنعها من تطبيق معايير الرقابة الدولية التي جاءت بها مقررت بازل2.
سادساً – أصابت الأزمة المالية العالمية جميع الدول ولم تسلم منها أي دولة بسبب القروض العقارية وما تبعها من معاملات مالية مثل التوريق وإصدار السندات بضمان القروض والجشع الرأسمالي للحصول على أرباح كبيرة من خلال المشتقات المالية.
سابعاً – أكدت الأزمة المالية قدرة المصارف الإسلامية على استيعاب الصدمات وأنها كانت أقل المتأثرين بانعكاساتها بفضل تميزها بالانضباط في إدارة الأصول المالية، وبالتالي فقد تسلطت الأضواء على المصرفية الإسلامية وجعلت منها ظاهرة عالمية تحتاج إلى الإطلاع عليها لإمكانية الاستفادة منها.
ثامناً – اتضح أن المصارف الإسلامية لم تكن بمنأى عن تداعيات الأزمة المالية العالمية 2008، فقد تأثرت على غرار نظيرتها التقليدية، إلا أن تأثرها كان أقل من عدة أوجه بطريقة مباشرة وغير مباشرة، فالمصارف التي تأثرت بطريقة مباشرة هي تلك المصارف التي كان لها استثمارات في البورصة العالمية عن طريق المحافظ الاستثمارية الدولية أو صناديق الاستثمار الدولية، وقد تأثر هذا القسم بالأزمة خاصة تلك المصارف التي ارتبطت محافظ استثمارها بالقطاع العقاري الأمريكي، إلا أن هذه الاستثمارات كانت محدودة ولم تتأثر مراكزها المالية، كما لم تتأثر ربحيتها كثيراً.
الأزمة المالية أكدت قدرة المصارف الإسلامية على استيعاب الصدمات ومواجهة التحديات الاقتصادية العالمية
أما القسم الآخر فهي تلك المصارف الإسلامية التي تأثرت بطريقة غير مباشرة نتيجة لتأثير الأزمة على جميع القطاعات الاقتصادية دون استثناء وبدرجات متفاوتة، إلا أن القطاع المالي والمصرفي كان أكثر القطاعات تأثراً بالأزمة، ومن ثم فقد شملها الأثر مثلها مثل أية مؤسسة اقتصادية تأثرت بالوضع العام من الأزمة، إلا أن الأمر الذي يمكن التأكيد عليه هو أن تأثرها كان محدوداً كما أن أياً منها لم يتعرض لإفلاس أو صعوبات مالية استدعت تدخلاً من المصارف المركزية بسبب الأزمة، كما أن بعضها قد تأثر تأثراً إيجابياً بزيادة الودائع فيها من قبل المودعين.
تاسعاً – تتمثل مساهمة المصارف الإسلامية في ظل الأزمة المالية العالمية 2008 في توفير بدائل تمويل تستمد معظم خصائصها من الإطار العام للعمل المصرفي الإسلامي، والتي تعني ضمناً استبعاد الأسباب الرئيسة للأزمة المالية العالمية، وإحلال نظام المشاركة في الربح والخسارة والتركيز على الاستثمار الحقيقي، والبعد عن العائد المضمون المحدد سلفاً ومقدماً باعتباره نسبة من رأس المال لضمان تحقيق عدالة التوزيع بين المتعاقدين.
عاشراً – أن المصارف الإسلامية الراهنة لا تطبق إلا عدداً ضئيلاً من الصيغ المتاحة أمامها، الأمر الذي لا يؤهلها للقيام بالدور المطلوب منها في إدارة الأزمة المالية العالمية.
أحد عشر – أن البديل الإسلامي في تمويل المشروعات الاستثمارية يعد الحل الأمثل لتداعيات الأزمة المالية لكون المصارف الإسلامية تعمل ضمن قواعد وضوابط الأمن والاستقرار وتقليل المخاطر؛ من حيث قيامها على مجموعة من الأنظمة المتمثلة في القيم والأخلاق والأمانة والمصداقية والشفافية والتيسير والتعاون والتكامل والتضامن.
ثاني عشر – تحتاج المصرفية الإسلامية إلى مراجعة وتدقيق لتعزيز نقاط القوة وتصويب نقاط الضعف، فعلى الرغم من صمودها النسبي إبان الأزمة إلا أنها بحاجة إلى منتجات إسلامية تنسجم مع الأصول الإسلامية وتتماشى في نفس الوقت مع متطلبات العصر.
ثالث عشر – لم يمنع اختلاف طبيعة عمل المصارف الإسلامية عن التقليدية من تطبيق معايير الرقابة الدولية التي جاءت بها مقررات بازل2، لأنها أصبحت معادلة مهمة في الكثير من الأنظمة المصرفية في العالم بالشكل الذي يحتم ضرورة تطبيق هذه المقررات مع خضوع المصارف الإسلامية لرقابة البنك المركزي.
التوصيات
بعد توصل البحث إلى النتائج السابقة، توصي الدراسة بما يلي:
أولاً – إعادة النظر في النظام العالمي لإقامته على أسس لا ترتكز على الفائدة، والأخذ بالمنهج الإسلامي مع الأخذ في الاعتبار العبر والدروس المستفادة من الأزمات الماضية وعدم تكرار مسبباتها كقروض الإسكان والرهن العقاري والتوريق وغيرها، والعمل الجاد من قبل الخبراء الاقتصاديين على تقديم البديل الإسلامي للنظام المالي الحالي بالتطبيق على أرض الواقع والاعتماد بدلاً من ذلك على الصيغ الإسلامية.
ثانياً – الطلب من أصحاب القطاع المصرفي الإسلامي اغتنام الظرف الراهن الذي يشهد دعوات كثيرة من المسلمين وغير المسلمين لاعتماد صيغ المصرفية الإسلامية، لتفعيل هذا العلم على الساحة الدولية والعمل على دعمها ونجاحها على الساحة الدولية بهدف إسهامها في إدارة الأزمات المالية إن حدثت.
ثالثاً – الطلب من القطاع المصرفي الإسلامي بإعطاء فرصة التطبيق لباقي صيغ المصرفية الإسلامية، وألا يقتصر التطبيق على صيغة واحدة أو اثنتين لما لذلك من دور مهم في إدارة الأزمات المالية والتغلب عليها، حيث تسهم مثلاً صيغة الاستصناع في تنمية القطاع الصناعي، وتنمي صيغة السلم في القطاع الزراعي، وصيغة الإجارة في القطاع الخدمي … وهكذا.
رابعاً – الطلب من القطاع المصرفي الإسلامي الذي يتمتع بقدرة مالية كبيرة البدء بإجراءات الانتشار على الساحة العربية والإسلامية والدولية في البلاد التي تسمح لهذا القطاع بالعمل على أراضيها.
خامساً – على القطاع المصرفي الإسلامي أن يهتم بالأبحاث والدراسات وإن تطلب ذلك إنشاء خلايا بحثية داخل كل مصرف منها، بهدف مسايرة التطورات الهائلة والسريعة التي يشهدها القطاع المصرفي عبر العالم سواء أكان ذلك في التكنولوجيا المتطورة في أداء الخدمات أم في النظريات الحديثة لتسيير المصارف، أو في تطبيق أحدث المعايير العالمية المستحدثة في النظم المحاسبية وتقييم الأداء، مع التأكد من ملاءمتها للتطبيق في ظل التشريع الإسلامي وبالتنسيق مع الهيئات الشرعية للمصارف الإسلامية.
المصارف الإسلامية لم تكن بمنأى عن تداعيات الأزمة المالية العالمية إلا أن تأثرها كان محدوداً
سادساً – تهيئة مناخ مناسب للمصارف الإسلامية لتتمكن من أداء مختلف أنشطتها بكل يسر وسهولة للعمل في إطار الاقتصاد الحقيقي مع ضرورة تنظيم العلاقة بين المصارف الإسلامية والمصارف المركزية.
سابعاً – الاهتمام بتأهيل كوادر متخصصة في المصرفية الإسلامية بدلاً من استقطاب عمالة متخصصة من المصارف التقليدية للعمل بما لديها لأن ما يحدث في الواقع هو عدم إلمام بعض العاملين في المصارف الإسلامية بأهداف ومبادئ المصرفية الإسلامية.
ثامناً – تطوير الموارد البشرية للعمل في
+974 4450 2111
info@alsayrfah.com