03 - مايو - 2024

نمو غير مسبوق بكفاءة عالية في قطاع الصكوك الإسلامية

على الرغم من التأثيرات السلبية التي تعرضت لها الصناعة المالية الإسلامية؛ مثل غيرها من القطاعات الاقتصادية والمالية، نتيجة التحديات الكبيرة الناجمة عن الصدمة المزدوجة التي تعرض لها العالم، المتمثلة في تداعيات جائحة «كوفيد-19» والانخفاض في أسعار النفط عالمياً خلال عامي 2020 و2021؛ إلا أن قطاع الصكوك أظهر كفاءة كبيرة في مواجهة هذه التطورات، وشهد نمواً غير مسبوق، فحقق معدل نمو سنوي بلغ 20% خلال فترة ذروة الجائحة.

وتؤكد المؤشرات المالية والاقتصادية أن قطاع الصكوك واصل النمو في أسواقه التقليدية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وجنوب شرق آسيا، وكذلك في الأسواق الحديثة مثل تركيا ودول أفريقيا جنوب الصحراء، كما تواصل الصكوك استحواذها على حصة متنامية بلغت قيمتها نحو 776 مليار دولار أمريكي بنسبة 26% من إجمالي حجم الصناعة المالية الإسلامية عالمياً المُقدَّر بنحو 3 تريليونات دولار.

إصدارات‭ ‬سيادية

وأرجعت دراسة حديثة أصدرها صندوق النقد العربي – الذي يتخذ من أبوظبي مقراً له – الأداء القوي لصناعة الصكوك عموماً إلى الإصدارات السيادية القوية في أسواق التمويل الإسلامي الرئيسة لدعم نفقات الميزانية، مشيرة إلى أنه من العوامل المهمة التي ساعدت على زيادة انتعاش قطاع الصكوك خلال الفترة الأخيرة؛ زيادة إصدارات القطاع المالي، وخصوصاً إصدارات البنوك الإسلامية التي تركز على صكوك دعم القاعدة الرأسمالية بشريحتيها الأولى والثانية، بالإضافة إلى دخول عدد من الوافدين الجدد لسوق الصكوك مثل تايوان، وزيادة إصدارات الصكوك طويلة الأجل بما يتراوح بين 30 و50 سنة، وزيادة الإصدارات المستقرة قصيرة الأجل بهدف إدارة السيولة. 

وأكدت الدراسة التي أعدها الدكتور عبدالكريم أحمد قندوز حول «استخدام الصكوك لدعم القاعدة الرأسمالية للبنوك الإسلامية» أن الدول العربية تعتبر من الدول الرائدة في الصناعة المالية الإسلامية، وتستحوذ على ما يزيد عن 55 بالمائة من حجم هذه الصناعة في العالم، حيث تعمل في الدول العربية بنوك متوافقة مع الشريعة الإسلامية ضمن القطاع المصرفي، فتمثل البنوك الإسلامية أهمية نظامية محلية في الإمارات، والسعودية، وقطر، والبحرين، والكويت، والسودان، والأردن.

تشديد‭ ‬المتطلبات‭ ‬الرقابية

وأشارت إلى أنه مع تشديد المتطلبات الرقابية المتعلقة بالملاءة المالية للبنوك بسبب الأزمة المالية العالمية؛ تواجه بعض البنوك الإسلامية تحديات تتعلق بالوفاء بمتطلبات لجنة «بازل» للرقابة المصرفية، خصوصاً ما يتعلق منها بالحد الأدنى لمتطلبات رأس المال، ففي الغالب لا تستوفي الأدوات والمنتجات المالية – التي طورتها الصناعة المالية التقليدية لدعم رأس مال البنوك – المتطلبات الشرعية، مما يحول دون إمكانية استخدامها من جانب البنوك الإسلامية، كما أن الكثير من الأدوات والمنتجات المالية المتوافقة مع الشريعة لا تستوفي الشروط الفنية لاعتبارها جزء من رأس المال الأساسي أو التكميلي، مما يحتم البحث عن أدوات مبتكرة لدعم القاعدة الرأسمالية للبنوك الإسلامية، تستوفي الجانبين الشرعي والفني.

ووفقاً للدراسة فإنه بالنظر إلى الخصائص الفريدة التي تتمتع بها الصكوك على اعتبارها أدوات مالية تتميز بالكفاءة والمرونة، فضلاً عن توافقها مع متطلبات الشريعة، فقد أمكن باستخدام الهندسة المالية تطوير صكوك موجهة لدعم القاعدة الرأسمالية للبنوك الإسلامية تستوفي كل الشروط الضرورية لكي يتم تضمينها في مكونات رأس المال.

وذكرت الدراسة الصادرة عن صندوق النقد العربي أنه بالنسبة لصكوك دعم رأس المال، فهي تكون قائمة على أساس الملكية، حيث تهدف إلى زيادة رأس المال الذي هو بطبيعته ملكية لا دَين، ووفقًا لهذه الهيكلة، فإن حملة الصكوك يكون لهم دور محتمل في تجنيب البنك الإسلامي الإفلاس أو التصفية، مشكِّلين بذلك صماماً أمام الصدمات التي قد يتعرض لها البنك، مما يُظهر قيمة هذه الصكوك، حيث تسهم في تخفيف العبء الواقع بشكل أساس على البنوك الإسلامية في إيجاد أدوات مالية تعزز رؤوس أموالها، خصوصاً حين لا يكون ممكناً تعزيز رأس المال من خلال المزيد من الاحتياطات أو إصدار الأسهم العادية.

وأوضحت أن صكوك دعم رأس المال المصرفي تشمل كلاً من صكوك الشريحة الأولى وصكوك الشريحة الثانية، حيث تعرف صكوك الشريحة الأولى بأنها أوراق مالية (صكوك) ذات قيمة متساوية يصدرها المصرف لكي يتم تصنيفها من ضمن المستوى الأول من رأس المال (رأس المال الأساسي)، لذلك يجب أن تتصف بمجموعة من المميزات منها امتلاك ميزة حقوق الملكية، والاستمرارية فليس لها أجل استحقاق وليست قابلة للتحويل إلى أسهم، فضلاً عن عدم وجود التزام بدفع عوائد، ونظراً لأنه يتم تصنيفها ضمن رأس المال الأساسي فهي تسهل على البنك الوفاء بنسب كفاية رأس المال المتعلقة بالبنك المصدِر فهو الهدف الأصلي لإصدارها.

حماية‭ ‬المودعين

وأضافت أن صكوك الشريحة الثانية هي نوع من الصكوك يتم هيكلتها لتضمينها في المستوى الثاني لرأس مال المصرف، ولذلك يجب أن تتوفر فيها خصائص هذا النوع من رأس المال، واستناداً إلى الخصائص الواجب توفرها في الأداة المالية حتى يمكن تضمينها في القاعدة الرأسمالية للبنوك، فإن صكوك دعم رأس مال البنوك الإسلامية يجب أن تتميز بمجموعة من الخصائص، فيجب أن تكون الصكوك قادرة على امتصاص أي خسارة قد يتعرض لها المصرف، وحماية المودعين من خلال تحويل قيمة الصكوك إلى أسهم أو استخدامها لتغطية الخسائر، كما يجب أن تكون الصكوك ذات آجال استحقاق طويلة. وأوضحت أنه لغرض تضمين الصكوك المصدرة واعتبارها جزءًا من رأس المال، يجب مراعاة الصيغة التي تصدر بها الصكوك، فعلى سبيل المثال، لا يمكن تصور صكوك مرابحة تدخل ضمن مكونات رأس المال، بل ستدخل غالباً ضمن الالتزامات (الخصوم) الأخرى للمصرف، لذلك فإن صكوك المضاربة وصكوك الوكالة وصكوك المشاركة هي أنسب الصكوك القابلة لاعتبارها ضمن مكونات رأس المال.

وأكدت الدراسة ضرورة تضمين الصكوك شرط حرية البنك في عدم إجراء أية توزيعات أرباح لصالح حملة الصكوك دون اعتبار ذلك تعثراً، لتكون على قدم المساواة مع الأسهم العادية التي يكون لمُصدِرها الحق في عدم إجراء توزيعات أرباح حتى في حالة تحقيق أرباح دون أن يعني ذلك تعثراً للمُصدر في الوفاء بالتزاماته، مشيرة إلى أنه إذا استوفت الصكوك هذه الشروط أمكن إدراجها ضمن مكونات رأس المال، وبالتالى تضمينها ضمن نسب كفاية رأس المال .

وفيما يتعلق بهياكل الصكوك الأنسب لدعم القاعدة الرأسمالية أوضحت الدراسة أن الصكوك تتنوع بتنوع عقود التمويل الإسلامي؛ ومنها صكوك المرابحة، وصكوك الإجارة، وصكوك السلم، وصكوك الاستصناع، وصكوك المضاربة، وصكوك المشاركة، وصكوك الوكالة بالاستثمار، كما توجد صكوك هجينة تجمع أكثر من عقد واحد في هيكلة الصك، مثل صكوك المرابحة مع الوكالة، أو صكوك المرابحة مع المضاربة، وغيرها، حيث لا تتناسب كل أنواع الصكوك لاستخدامها لدعم القاعدة الرأسمالية نظراً لأنه قد يكون من الصعب تلبية كل متطلبات إدراج الأداة المالية ضمن رأس مال المصرف (الشريحة الأولى أو الشريحة الثانية) في بعض أنواع الصكوك، فعلى سبيل المثال، قد يستحيل أويصعب إدراج صكوك مرابحة ضمن الشريحة الأولى من رأس مال المصرف الإسلامي.

وأشارت إلى أن مجلس الخدمات المالية الإسلامية الذي يعد من مؤسسات البنية التحتية للصناعة المالية الإسلامية، والذي يتولى وضع معاييرها؛ قام بإصدار أدلة توجيهية تساعد البنوك الإسلامية في تحديد هياكل صكوك تتواءم مع متطلبات «بازل» التي تستوجب امتصاص الخسائر، حيث يؤكد المجلس أن صكوك المشاركة تعد من أنسب هياكل الصكوك المؤهلة للوفاء بمتطلبات بازل وبشكل خاص متطلبات الشريحة الأولى لرأس المال، نظراً لأن المستثمرين (حملة الصكوك) يتشاركون الأرباح ويقتسمون الخسائر مع المساهمين في محفظة أعمال البنك، لذلك فمن الطبيعي أن يتحملوا الخسائر، في حين أن الهيكل الأنسب للوفاء بمتطلبات الشريحة الثانية من رأس المال يشمل كلاً من صكوك الوكالة وصكوك المضاربة .

دعم‭ ‬القاعدة‭ ‬الرأسمالية

وبالنسبة لأبرز تحديات إصدار صكوك دعم القاعدة الرأسمالية للبنوك أوضحت الدراسة أنه رغم أن البنوك الإسلامية، وبشكل خاص في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، اعتادت على إصدار صكوك دعم القاعدة الرأسمالية، مستفيدة من الزخم الذي تعرفه سوق الصكوك والصناعة المالية الإسلامية عمومًا في المنطقة، إلا أنه لا يوجد إلى الآن قوانين محددة تنظم إصدار هذا النوع من الصكوك، ومعظم قوانين الصكوك تتعلق بالصكوك عامة دون تخصيص ما إذا كانت لتمويل مشروعات استثمارية أو لدعم القاعدة الرأسمالية للبنوك أو تمويل بنية تحتية أو غيرها، لذلك فإن إصدار قوانين منظِّمة أو أدلة إرشادية ضرورة لتيسير عمليات الإصدار وتوسيع نطاق الاعتماد على هذا النوعية من الصكوك.

وأضافت أنه من التحديات التي تحتاج إلى معالجة في هذا المجال آلية تحديد المعيار المتعلق بتقييم ما يُعرف بـ»الحدث المسبب» الذي استناداً إليه تعتبر الجهة الإشرافية أن البنك المصدر للصكوك لن يتمكن من الاستمرار في النشاط، حيث يطرح ذلك إشكالين؛ أولهما: يتعلق بكون تقييم ذلك يكون تقديرياً يرجع إلى السلطة الإشرافية غالباً، وثانيهما: يتعلق بالجانب الشرعي حول جواز إبراء البنك المُصدر للصك من دفع مستحقات الصكوك عند تفعيل «الحدث المسبب»، كما يواجه شرط الاستمرارية لإدراج الصك ضمن رأس المال الأساسي للبنك الإسلامي تحدياً آخر من الناحيتين الفنية والشرعية، حيث ينظر المساهمون ببعض التوجس لحملة الصكوك الأبدية (المستمرة)، حيث يعني ذلك بالنسبة لهم دخول مساهمين جدد بشكل قانوني، أما من الناحية الشرعية فيتم طرح تساؤل حول كون العقد أبدياً أو مدته غير محددة.

ووفقاً للدراسة فإن من القضايا التي تحتاج إلى معالجة شرعية ومحاسبية مالية؛ أولوية صكوك رأس المال وهل تكون في مرتبة الأسهم العادية أم أعلى منها في الأولوية؟ وهل يتقدم حملة الصكوك على المساهمين في حالة التصفية أم لا، كما أنه لا توجد الكثير من الأدلة العملية ولا التطبيقات العملية التي تسهل عملية إصدار صكوك ومتطلباتها للوفاء بنسب كفاية رأس المال للبنوك الإسلامية، وحتى تعليمات لجنة بازل للرقابة المصرفية أخذت بالاعتبار هيكلة السندات التقليدية والتي تختلف تماماً في هيكليتها عن الصكوك .

+974 4450 2111
info@alsayrfah.com