25 - أكتوبر - 2025

   

هل يشهد قطاع التأجير التمويلي موجة استحواذات بعد صفقة “البركة- التوفيق”؟

أعادت صفقة استحواذ بنك “البركة مصر”، على شركة التوفيق للتأجير التمويلي، الزخم إلى ملف الاستحواذات والاندماجات في قطاع التأجير التمويلي، الذي بات يشهد تزايدًا في اهتمام البنوك والمؤسسات المالية العاملة بالسوق المصرية.

وبينما يرى بعض المتعاملين أن الصفقة تمثل نقطة انطلاق لموجة جديدة من الاندماجات بغرض خلق كيانات أكبر وأكثر قدرة على المنافسة، يعتقد آخرون أن ما حدث لا يعدو كونه خطوة متوقعة في ظل امتلاك معظم البنوك بالفعل شركات تأجير تمويلي تابعة لها.

قال طارق عفت، العضو المنتدب لشركة كاتليست للتأجير التمويلي، إن نحو 80 ـ 85% من البنوك العاملة في السوق المصري تمتلك أو تسهم في شركات تأجير تمويلي، سواء عبر تأسيس شركات جديدة أو الاستحواذ على كيانات قائمة.

أضاف أن استحواذ “البركة” على “التوفيق” لا يمثل مفاجأة في السوق، بقدر ما يعكس اتجاهًا استراتيجيًا للبنوك نحو تعظيم حضورها في أنشطة التمويل غير المصرفي، استجابة لتغيرات السوق وحاجة العملاء لحلول تمويلية مرنة تتجاوز القيود الائتمانية التقليدية.

وأشار عفت، إلى أن هذه السيطرة البنكية على القطاع جعلت حجم المنافسة بين الشركات التابعة للبنوك كبيرًا، فيما تعاني الشركات المستقلة أو الصغيرة من ضغوط تمويلية وتشغيلية تجعل فرص اندماجها أو خروجها من السوق أكثر احتمالاً.

وبحسب بيانات الهيئة العامة للرقابة المالية، بلغ إجمالي قيمة عقود التأجير التمويلي خلال النصف الأول من عام 2025 نحو 70 مليار جنيه مقابل 62 مليار جنيه خلال الفترة نفسها من عام 2024، بزيادة تقارب 13%، فيما بلغ عدد العقود المنفذة نحو 1800 عقد.

وتركزت أغلب التمويلات في قطاعات العقارات والمعدات الثقيلة والنقل، في حين استحوذت الشركات التابعة للبنوك على النسبة الأكبر من إجمالي العقود المبرمة.

وتشير البيانات إلى أن القطاع لا يزال في مسار توسعي رغم التحديات التمويلية، إذ استفاد من ارتفاع الطلب على التمويل طويل الأجل من الشركات الصناعية والعقارية، ما يعزز فرص استقطاب استثمارات جديدة ويدعم الاتجاه نحو تكوين كيانات أكبر وأكثر قدرة على المنافسة.

نادر: القطاع قد يشهد اندماجات محتملة بين الشركات المتوسطة

من جانبه، يرى محمد نادر، العضو المنتدب لشركة أرتشر للتأجير التمويلي، أن القطاع قد يشهد عمليات اندماج محدودة خلال الفترة المقبلة، خاصة بين الشركات متوسطة الحجم التي تسعى إلى توسيع قاعدتها الرأسمالية وزيادة قدرتها على الوصول إلى التمويلات المصرفية.

وأضاف أن «اندماج شركتين كبيرتين قد لا يكون خطوة إيجابية بالضرورة»، مشيراً إلى أن حدود التمويل التي يضعها البنك المركزي قد تجعل الكيان الناتج عن الاندماج أقل قدرة على الحصول على التمويلات من البنوك مقارنة بما كان عليه قبل الدمج.

وأوضح نادر، أن البنك المركزي ألزم البنوك بألا يتجاوز إجمالي التسهيلات الائتمانية والاستثمارات في محافظ التوريق نسبة 5% من إجمالي محفظة القروض والتسهيلات الائتمانية للبنك، وألا يتجاوز التمويل الموجه لشركة تأجير تمويلي واحدة 1% من هذه المحفظة، وهو ما يحد من قدرة الشركات الكبرى على التوسع بالاعتماد على القروض البنكية فقط.

وأكد أن الحل أمام الشركات يتمثل في تنويع مصادر التمويل عبر عمليات التوريق وإصدار الصكوك، أو جذب استثمارات مباشرة من صناديق الاستثمار التي تستثمر في أنشطة التأجير التمويلي، بالإضافة إلى زيادة رؤوس أموال الشركات لتعزيز مركزها المالي وتحسين قدرتها على المنافسة.

حنفي: استمرار المفاوضات مع “المركزي” لفتح حدود التمويل

وكشف أشرف حنفي، المدير التنفيذي للاتحاد المصري للتأجير التمويلي، عن استمرار المفاوضات مع البنك المركزي من أجل تعديل حدود التمويل الحالية المسموح بها للبنوك تجاه شركات التأجير التمويلي.

وأوضح أن تلك الحدود “لم تعد تتناسب مع تطور حجم السوق”، خاصة مع تنامي الطلب على حلول التمويل المبتكرة من جانب الشركات الصغيرة والمتوسطة، التي تمثل الشريحة الأكبر من عملاء القطاع.

أكد حنفي، أن الحدود السعرية الحالية على التمويلات أدت إلى إضعاف قدرة الشركات على التوسع، إذ تجد الشركات نفسها مضطرة للبحث عن تمويلات بديلة بأسعار أعلى أو الاعتماد على زيادة رؤوس أموالها عبر مساهميها أو البنوك المالكة لها.

ولفت إلى أن شركات التأجير التمويلي التابعة للبنوك كانت الأكثر قدرة على تجاوز تلك التحديات، عبر تدعيم رؤوس أموالها من خلال قروض حسنة أو زيادات رأسمالية مباشرة، بينما واجهت الشركات المستقلة صعوبة في توفير مصادر تمويل منخفضة التكلفة، مما يفتح الباب أمام عمليات استحواذ أو شراكات استراتيجية جديدة.

ويواجه النشاط عدة تحديات أخرى، أهمها فرض البنك المركزي ضوابط تنظيمية على تمويل شركات التأجير التمويلي مطلع العام الماضي، تضمنت وضع حد أقصى للتسهيلات الائتمانية المباشرة وغير المباشرة عند 1% للشركة الواحدة و5% من إجمالي محفظة القروض لدى البنك، إلى جانب اشتراط توجيه التمويل لغرض محدد ومثبت بمستندات تؤكد استخدامه في عقود التأجير .

ومع بدء دورة التيسير النقدي وتراجع معدلات التضخم، يترقب القطاع تحركات من “المركزي” لتخفيف تلك القيود، لاسيما بعد وصول بعض البنوك إلى الحد الأقصى المسموح به، ما أدى إلى توقفها عن تمويل النشاط.

وتأثرت الشركات العاملة في القطاع بارتفاع أسعار الفائدة خلال الفترات الماضية، وهو ما انعكس على زيادة تكلفة التمويل، الأمر الذي دفع بعض الشركات للتوسع في أنشطة مكملة مثل تأسيس صناديق مالية غير مصرفية والتوسع في نشاط التخصيم للتغلب على ضغوط السوق.

يُعد استحواذ بنك البركة مصر على شركة التوفيق للتأجير التمويلي نموذجًا لاهتمام البنوك بتوسيع نطاق أنشطتها غير المصرفية. فالبنك قد تقدم بعرض شراء إجباري للاستحواذ على النسبة المكملة حتى 90%، وبحد أدنى 51% من رأسمال الشركة عن طريق مبادلة أسهم، وهي خطوة تأتي بعد تقييم تراوح بين 300 و340 مليون جنيه وفق تقديرات استثمارية سابقة.

وسيستحوذ بنك البركة مصر على النسبة المستهدفة مقابل إصدار أسهم زيادة في رأس ماله تخصص لصالح مساهمي الشركة المستهدفة المستجيبين للعرض بما لا يجاوز نسبة 8% من إجمالي أسهم رأس مال البنك مقدم العرض، على أن يتم تحديد معامل مبادلة الأسهم من خلال أحد المستشاريين الماليين المقيدين بسجلات الهيئة وذلك إعمالاً لأحكام الباب الثاني عشر من اللائحة التنفيذية لقانون رأس المال وتعديلاته.

ويعكس اتجاه البنوك لامتلاك شركات تأجير تمويلي، رغبتها في الحفاظ على حصة أكبر من سوق التمويل، خاصة بعد تشديد قواعد الإقراض المباشر للعملاء. فالتأجير التمويلي يتيح للبنوك تقديم التمويل بطريقة غير مباشرة دون تجاوز حدود المخاطر المحددة رقابيًا، مع تحقيق عوائد مرتفعة نسبيًا ومستقرة.

أضاف أن النجاح الحقيقي لعمليات الدمج أو الاستحواذ لا يُقاس بحجم الصفقة، بل بقدرة الكيان الجديد على تحقيق كفاءة تشغيلية أعلى، وتقليل تكلفة التمويل، وتوسيع قاعدة العملاء دون التضحية بجودة الأصول.

ومع اتجاه السياسة النقدية نحو خفض أسعار الفائدة تدريجيًا، قد تجد شركات التأجير التمويلي في ذلك فرصة لإعادة التموضع والتوسع في تمويل قطاعات جديدة مثل الطاقة المتجددة، والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، والبنية التحتية.

+974 4450 2111
info@alsayrfah.com