19 - مايو - 2024

الجزائر تتجه بحذر صوب التمويل الإسلامي مع هبوط إيرادات الطاقة

(رويترز) - عندما اجتمع خبراء في الأنشطة المصرفية الإسلامية في وقت سابق هذا العام في فندق تديره الدولة بالعاصمة الجزائرية لتبادل خبراتهم في قطاع التمويل الإسلامي، لم يكن من بينهم أي ممثل للحكومة.

ورغم هذا التردد، حيث يحجم المسؤولون الحكوميون حتى عن الإشارة إلى التمويل الإسلامي بهذا الاسم، تتجه الجزائر ببطء صوب تقديم خدمات مصرفية تلائم المستثمرين الباحثين عن المنتجات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.

يتمثل الهدف من وراء ذلك في جذب أموال من وعاء ضخم للسيولة النقدية خارج النظام المصرفي الرسمي في وقت تبحث فيه الجزائر عن مزيد من السبل لتعويض الهبوط الحاد في أسعار النفط وإيراداتها من الطاقة.

وأعلن وزير المالية الجزائري حاجي بابا عمي بالفعل عن خطط لباكورة إصدارات البلاد من السندات المحلية بدون فائدة تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، لكنه وصف البرنامج بأنه "تشاركي" وليس إسلامي. وقالت مصادر مصرفية وحكومية لرويترز إن ستة بنوك تديرها الدولة تخطط حاليا لإطلاق خدمات مالية إسلامية بنهاية العام أو في أوائل 2018 كما توجد خطط لتشكيل هيئة شرعية وطنية تشرف على الأنشطة المصرفية الإسلامية بنهاية 2017.

ولا تزال خطة الجزائر للتمويل الإسلامي تواجه عقبات كبيرة. ذلك أنها تفتقر للإطار القانوني والخبرة الفنية كما تتطلب من المسؤولين توخي الحذر الشديد تحسبا لأن ينظر إليها على أنها إحياء للإسلام السياسي بعد حرب التسعينات ضد المتشددين الإسلاميين المسلحين والتي أسفرت عن مقتل نحو 200 ألف شخص. وتأتي التعقيدات البيروقراطية على رأس تلك العقبات إذ غالبا ما تؤخر أي نوع من الإصلاحات في الجزائر لكن المصرفيين يتطلعون للمضي قدما في هذه الفكرة.

وقال ناصر حيدر المدير العام لمصرف السلام-الجزائر المملوك للبحرين "يجب أن تكون المؤسسات المالية أكثر فاعلية وجرأة في السوق من خلال السماح للمنتجات الإسلامية بالنمو. "القواعد التنظيمية ليست عقبة أمام التمويل الإسلامي في الجزائر لكن الإطار القانوني سيساعد على تطوره."ومع خروج الاقتصاد من عقود من السيطرة المركزية، تحتاج الجزائر بشدة إلى بدائل لإيرادات الطاقة التي تمول عادة 60 في المئة من الميزانية.

وأدى هبوط أسعار النفط العالمية منذ منتصف 2014 إلى خفض العائدات من صادرات النفط والغاز إلى النصف. وفي عام 2015 قفز عجز الموازنة إلى 16 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي السنوي للجزائر وتشير التقديرات إلى أن الحكومة لم تقلص العجز في 2016 إلا قليلا ليصل إلى 15 في المئة من الناتج المحلي.

وانخفضت موارد صندوق حكومي مخصص لتغطية العجز 59.5 في المئة على مدى العام الماضي بينما هبطت احتياطيات النقد الأجنبي إلى 114 مليار دولار بنهاية 2016 من 178 مليار دولار في 2014.

ووافقت الحكومة على خفض الإنفاق بنحو 14 في المئة في 2017 وزيادة الضرائب. وأصدرت الجزائر سندات تقليدية بفائدة في السوق المحلية العام الماضي لكن حصيلة الأموال التي جمعتها والبالغة 5.86 مليار دولار جاءت دون التوقعات بعدما لقيت تلك العملية استقبالا فاترا من قيادات دينية، وحتى من وزارة الشؤون الدينية والأوقاف. وقال أحد الدعاة المشهورين لوزير المالية "ستتعذب في قبرك".

* عدم ثقة بين المواطنين

لا تزال الجزائر متخلفة عن جارتيها المغرب وتونس اللتين بدأتا في وضع تشريعات للتمويل الإسلامي والصكوك تحت إشراف هيئة شرعية مركزية.

وربما يتغير ذلك إذا تم تشكيل الهيئة الشرعية الوطنية المزمعة في الجزائر في وقت لاحق من العام الحالي بحسب ما قاله مصدر حكومي مطلع على خطط التمويل الإسلامي لرويترز.

تستهدف الجزائر المدخرين المحليين وليس المستثمرين الأجانب. فكثير من المواطنين الجزائريين لا يثقون بالبنوك المملوكة للدولة ويحتفظون بمبالغ كبيرة في المنازل سواء بالعملة المحلية والأجنبية دون دفع ضرائبها.

ويقدر الخبراء المدخرات غير الرسمية في اقتصاد الجزائر بنحو 90 مليار دولار وهو ما يعادل حوالي نصف الناتج المحلي الإجمالي السنوي للبلاد. وبدأت الحكومة دراسة الشهر الماضي بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لتقييم الحجم الحقيقي للسوق الموازية.

وفي العام الماضي لم تنجح الحكومة في جذب أموال من السوق غير الرسمية حينما عرضت عفوا ماليا يستطيع الجزائريون بموجبه إيداع مبالغ غير معلن عنها مع دفع رسوم قدرها سبعة في المئة.

وبدلا من ذلك، تحتاج الحكومة إلى خطب ود المتدينين. فيقول محمد مولودي المحلل الإسلامي الذي ألف كتبا دينية "لا تزال وسائل التمويل الحالية ضعيفة للغاية.

"سيساعد إعطاء الضوء الأخصر للتمويل الإسلامي من خلال الخيار التشاركي على جذب أموال كثيرة من الأشخاص المحجمين (عن إيداع أموالهم في السوق الرسمية)."

وقال بوعلام جبار الذي يرأس الجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية في الجزائر وبنك الفلاحة والتنمية الريفية إن البنوك الحكومية الستة أوشكت على الانتهاء من الترتيبات اللازمة لإطلاق خدمات مالية إسلامية. وتابع "سيعرضون تمويلا تشاركيا قريبا."

وقال مصدر حكومي لرويترز إن ثلاثة من تلك البنوك ستطلق منتجات إسلامية في فصل الصيف وربما ينضم إليها بنك رابع في نهاية العام. أما البنكان المتبقيان فقد ينضمان في 2018.

وقال مصدر من أحد تلك البنوك، وهو بنك التنمية المحلية، إن المصرف سيكون مستعدا خلال ثلاثة أشهر. وتابع "سيطلق بنك التنمية المحلية منتجين جديدين على الأقل يركز أحدها على التمويل القائم على مبدأ المرابحة في بداية النصف الثاني من 2017".

ومصرف السلام-الجزائر وبنك البركة الجزائر، وهما الوحدتان المحليتان لمصرف السلام الإسلامي ومجموعة البركة المصرفية المدرجان في البحرين، يعملان في الجزائر بالفعل، لكن الخبراء يقدرون حصتهما السوقية بأقل من أربعة في المئة. ويقدم البنكان خدمات مصرفية تجارية وخدمات بنكية للأفراد.

وتقدم مصرف السلام بمقترح إلى وزارة المالية الجزائرية باستخدام بعض أشكال التمويل الإسلامي في تمويل جزئي لميناء في غرب البلاد يتكلف 3.2 مليار دولار. وستقدم بنوك صينية أيضا تمويلا للمشروع يقارب 1.5 مليار دولار.

* عرضة للانهيار

يماثل النهج الحذر الذي تتبناه الجزائر تجاه التمويل الإسلامي كفاحها في الإصلاحات التي تحتاجها لمواجهة الهبوط الحاد في أسعار النفط. وقال عبد الحق لعميري الذي يعمل مستشارا اقتصاديا للحكومة "تفضل الحكومة (أن تتبع) نهجا تدريجيا."

والجداول الزمنية معرضة للانهيار. ففي فبراير شباط قالت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية نقلا عن وزير المالية إن من المقرر إطلاق السندات التي لا تحمل فائدة بنهاية أبريل نيسان. لكن ذلك يخضع لموافقة الحكومة ولم يتم إعلان أي تفاصيل حتى الآن.

ولا تزال وسائل الإعلام الحكومية متحمسة للفكرة. وقالت صحيفة المجاهد التي تديرها الدولة وتعكس عادة رأي الحكومة إن خيار المنتجات المصرفية الإسلامية يمكن أن يعزز القطاع المالي من خلال تنويع ما تقدمه البنوك. وأضافت الصحيفة أن المنتجات الإسلامية ستساعد أيضا على جذب المدخرات غير الرسمية.

+974 4450 2111
info@alsayrfah.com