05 - مايو - 2024

معالجة تساؤلات حول مصداقية المصارف الإسلامية

منذ أن بدأ ظهور المصرفية الإسلامية في عام 1963م يدور في أذهان بعض الناس من حين لآخر تساؤلات حول مصداقيتها، فتارةً حول شرعيتها من الناحية العلمية، وأنها تقوم على أفراد قلة من العلماء الشرعيين، وتارةً حول شرعيتها من الناحية العملية وأن قرارات لجانها الشرعية لا تعدو أن تكون شكلاً من أشكال التسويق؛ لجذب المزيد من العملاء، وترويج المنتجات دون أن يكون لها أثر عملي.

وربما يكون سبب وجود مثل هذه التساؤلات عدم معرفة الكثير من الناس بالجهود العلمية الشرعية الكبيرة التي تقوم عليها صناعة المالية الإسلامية، وعدم معرفتهم بهيكلة العمل الشرعي داخل المصارف التي تقدم – كلياً أو جزئياً – منتجات متوافقة مع أحكام الشريعة، وعدم وضوح الإجراء المتبع الذي تقوم به المصارف بعد صدور قرارات لجانها الشرعية.

من الناحية العلمية، فإن التأصيل الشرعي للصناعة المالية الإسلامية يقوم على الجهود العلمية الشرعية الكبيرة المبثوثة في مئات المؤلفات الشرعية قديمًا وحديثًا، في طليعتها كتب المذاهب الفقهية الأربعة التي تناولت المعاملات المالية المتعددة في أبواب البيوع على امتداد التاريخ الإسلامي، وتلك المؤلفات التي بحثت موضوعات محددة في المعاملات المالية والمعاملات المالية المعاصرة، إضافةً إلى الرسائل والبحوث العلمية المتجددة في فقه المعاملات المالية الإسلامية على مستوى جامعات العالم الإسلامي والمجامع الفقهية ومراكز البحوث والجمعيات الأكاديمية والمجلات المُحكّمة.

كما نشأت على امتداد العقود الماضية منظمات وهيئات دولية غير ربحية داعمة للمؤسسات المالية الإسلامية ولها منجزات مهنية بالغة الأثر، على رأسها وضع المعايير التي تعزز سلامة واستقرار الصناعة المالية الإسلامية؛ كمجلس الخدمات المالية الإسلامية (IFSB) في ماليزيا، وهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية التي تعرف اختصارًا بـ(أيوفي) في مملكة البحرين، حيث صدر عن «أيوفي» مايزيد عن 60 معيارًا شرعيًا اعتُمدت في مجالسها الشرعية المكونة من عشرات العلماء المرشحين على امتداد البلدان الإسلامية.

ومن الناحية العملية، فإن المصارف التي تقدم منتجات متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية يُكوّن المصرف لجنته الشرعية ويعيّن أعضاءها من قبل الجمعية العامة للمصرف، أو بقرار من مجلس إدارة المصرف، بناءً على توصية لجنة الترشيحات التابعة لمجلس الإدارة. وتُعتبر اللجنة الشرعية مستقلة عن المصرف وجميع إداراته، وترتبط تنظيمياً بمجلس إدارة المصرف مباشرة، وترفع محاضرها وتقاريرها الدورية إليها.

كما تُنشأ إدارة مختصة بالعمل الشرعي داخل المصرف، وتكون حلقة الوصل بين اللجنة الشرعية والمصرف، وتُعنى بجميع المهام الشرعية المتعلقة بتنفيذ منتجات وعمليات المصرف المختلفة؛ كتقديم الاستشارات الشرعية لقطاعات المصرف المختلفة، وعرض المنتجات والمسائل الشرعية ذات العلاقة على اللجنة الشرعية، وإصدار القرارات الشرعية بشأنها، وإجراء أعمال الرقابة الشرعية، ودعم الأعمال، وغيرها من المهام.

ويتولى القسم المعني بأعمال الرقابة الشرعية للمصرف إجراء مراجعة شرعية شاملة بشكل دوري وفق خطة سنوية لعدد من إدارات المصرف للتأكد من أن التطبيق العملي للمنتجات المتوافقة مع الشريعة وتسويقها وتنفيذها يتم وفق القرارات الصادرة من اللجنة الشرعية، والتأكد من عدم وجود أي مخالفة شرعية. وتطلع اللجنة الشرعية ولجنة المراجعة التابعة لمجلس إدارة المصرف على التقارير الدورية بهذا الشأن، وفي حال وجود مخالفات شرعية فيتم رفعها في تقرير الرقابة الشرعية، ولاتُقفل المخالفة الشرعية حتى تُعالج، وفي حال تعذر المعالجة يتم تصعيد المخالفة الشرعية إلى اللجنة الشرعية واللجان العليا بالمصرف لاتخاذ اللازم بشأنها؛ فالمسؤولية تعود إلى
كفاءة وأمانة المراقبين الشرعين في تنفيذ المهام الرقابية. 

وهناك مظهر من مظاهر اختلاف العلماء الشرعيين في المسائل الشرعية، واستنباطاتهم الفقهية لاستخراج الحكم الشرعي، وأن كثيراً من الأحكام الفقهية تحتمل عدة آراء وتفسيرات شرعية يصعب من خلالها الجزم بصحة قول عن قول، إلا أن هناك تحديات وسلوكيات تكون سبباً في وجود مخالفات شرعية ليس مردها إلى الاختلاف الفقهي بين العلماء ولا مصداقية اللجان الشرعية، ولا في موقف المصارف منها، بل إلى أسباب أخرى؛ منها عدم إلمام الموظفين القائمين على تنفيذ العمليات بأساسيات المعاملات المالية الإسلامية، أو تأخر استيعاب تدريب جميع الموظفين في أوقات متقاربة، أو عدم كفاية البرامج التدريبية ذات العلاقة بالمعاملات المالية الإسلامية، أو ضعف كفاءة بعض من يتولى مهام الرقابة الشرعية. 

ويتضح من هذه الأمثلة أن وجود المخالفات الشرعية عبارة عن ممارسات عارضة في بعض المصارف، ولا يمكن تعميمها على الصناعة المالية الإسلامية.

الجدير بالذكر أن البنوك المركزية في دول الخليج العربية قد أولت اهتماماً بنشاط المصرفية الإسلامية، وأصدرت اللوائح التنظيمية المتعلقة بها للوصول إلى حوكمة شرعية سليمة، وتعزيزاً لبيئة الالتزام بأحكام ومبادئ الشريعة.

فيصل بن عبدالباسط المؤمن خبير في المالية الإسلامية

+974 4450 2111
info@alsayrfah.com