14 - مايو - 2024

البنوك الإسلامية ... الميدان الاستثماري الأكثر أمناً للتمويل العالمي

مع بداية الأزمة المالية نهاية عام 2007، زاد الحديث والنقاش حول منظومة الصيرفية الإسلامية التي أكدت صمودها في وجه أزمة مالية عصفت باقتصاديات ومؤسسات مالية عالمية. هذه المنظومة التي أسالت الكثير من مداد أقلام الخبراء الماليين والاقتصاديين العالميين من مختلف الجنسيات، فظهرت أبحاث ودراسات من مؤسسات مالية عالمية حول هذا النمو السريع الذي تشهده الصيرفية الإسلامية في العالم، وخاصة غزوها لأسواق مالية كانت في القريب العاجل حصناً محتكراً من طرف الأسواق المالية الرأسمالية في أوروبا.

ويبقى السؤال كيف وصلت هذه الصناعة المالية إلى بلدان لا تجمعها بالإسلام سوى النقاشات والصدامات الفكرية؟ وما حقيقة دخولها وآليات عملها في الدول الأوربية؟ وهل فعلاً توجد بنوك إسلامية في أوروبا؟

منذ ظهور أول بنك إسلامي مرخص له من طرف السلطات سنة 1975 وهو بنك دبي الإسلامي (كان قد تأسس قبله بنك ميرت غانم في مصر سنة 1963، لكن فشلت هذه التجربة نظراً للظروف السياسية التي كانت تسود مصر خلال تلك الفترة)، انتشرت البنوك الإسلامية لتصل إلى يومنا هذا إلى أزيد من 500 بنك ومؤسسة مالية إسلامية في العالم، بموجودات تقدر ب 1.6 تريليون دولار حسب آخر التقارير (مقابلة الدكتور عمر زهير حافظ، الأمين العام للمؤسسات والبنوك الإسلامية - برنامج بلا حدود – قناة الجزيرة 10/4/2013)، وكذلك تقرير مؤسسة UKIFSالمتخصصة، أي ما يقارب 1% من الموجودات المالية الموجودة في العالم، حيث يعتبر البنك الألماني Deutsch Bankأكبر بنك عالمي بموجودات تقدر ب 8.2 تريليون دولار، من 72 تريليون دولار لأحسن 53 بنك في العالم (لا مجال للمقارنة بين موجودات البنوك الإسلامية والتقليدية لأن تاريخ البنوك التقليدية يزيد عن 400 سنة، بينما تاريخ البنوك الإسلامية هو 38 سنة فقط)، كما تشير الدراسات إلى أن نمو موجودات البنوك الإسلامية ستصل إلى أزيد من 6 تريليون دولار سنة 2020 أي بمعدل نمو يفوق 15% سنويا.

التجربة البريطانية:

بريطانيا، ذلك البلد الأوربي المنفتح على الثقافات العالمية، كان له الفضل في احتضان وترخيص أول بنك إسلامي بمعايير تحترم الشريعة الإسلامية ومبادئ الصيرفية الإسلامية، وإعطاء تراخيص لبنوك تقليدية لفتح نوافذ للمنتجات الإسلامية (عقود المرابحة، المضاربة، المشاركة، الاستصناع، الإيجار.. ) حيث بلغ عدد البنوك التي تقدم منتجات تتوافق مع الشريعة الإسلامية إلى 22 بنكاً، منها 5 بنوك إسلامية و17 بنكاً تقليدياً له نوافذ يقدم من خلالها منتجات البنوك الإسلامية.

ظهرت الصيرفية الإسلامية في بريطانيا بأواخر السبعينات وبداية الثمانينات (1978-1979) حيث سمحت الحكومة البريطانية لبعض الشركات الاستثمارية الإسلامية في العمل في لندن وكان أولها: شركة الاستثمار الإسلامية القابضة (Islamic Banking International Holding) عام 1978، وبعدها شركة بيت التمويل (Islamic Finance House)، وفي سنة 1987 دخلت مجموعة مصرف البركة العالمية التي استمرت في العمل إلى غاية 1993، حيث تطورت ودائعها من 28 مليون جنيه سنة 1983 إلى 154 جنيه سنة 1991، وفتحت فرعين في لندن وفرعاً آخر في بيرمنغهام. لكن ونتيجة للأزمة المالية التي عصفت بالسوق المالي اللندني أواخر الثمانينات وبداية التسعينات، اضطرت الحكومة البريطانية إلى تشديد المراقبة والزيادة في الضرائب على المؤسسات المالية الأجنبية، قانون المصارف لسنة 1987، وفي سنة 1997 فتح المصرف المتحد الأهلي الكويتي فرعا له في لندن عرف بمشروع المنزل لتقديم تمويلات للجالية المسلمة عبر عقود المرابحة والإجارة.

وفي أكتوبر 2004ولد أول بنك إسلامي بكل مواصفات الصيرفية الإسلامية، وهو البنك الإسلامي البريطاني (IBB) بعد مجهودات من الحكومة البريطانية لتعزيز دور الصيرفية الإسلامية في السوق المالي اللندني إيمانا منهم بمبدأ المنافسة. وبسبب تشديد دراسات الباحثين بشأن مستقبل الصيرفية الإسلامية في السوق اللندنية، ولعل أبرز هذه الوجوه (رودني ويلسون Rodney Wilson) الاقتصادي الذي يعتبر أحد أبرز الوجوه التي تنبأت وكتبت عن الصيرفية الإسلامية في بريطانيا. بعدها فتحت بنوك تقليدية نوافذ للمنتجات الإسلامية، كان أبرزها بنك:

التجربة الفرنسية:

فرنسا، ذات الجالية المسلمة التي تزيد عن 6 ملايين مسلم، المتفوقة على بريطانيا (5.2 مليون مسلم) من حيث عدد الجالية المسلمة التي ينتمي أغلبها إلى دول شمال أفريقيا (المغرب، الجزائر، تونس، ودول جنوب الصحراء) التي لم تظهر فيها الصيرفية الإسلامية إلا في السنوات القليلةالماضيةوبعضها لا يزال ينتظر الضوء الأخضر من صناع القرار في بلادهم (المغرب). بدأت فرنسا بالتنافس مع بريطانيا ذات التاريخ الطويل في الصيرفية الإسلامية لتكون باريس عاصمة التمويل الإسلامي خارج الدول الإسلامية، لكنها تواجه تحديات كبيرة عكس بريطانيا، خاصة ثقافة الجالية المسلمة في فرنسا، والتي أغلبها لا تتوفر على معرفة، أو مفاهيمها محدودة فيما يخص التمويل الإسلامي التي افتقدوها في بلادهم الأصلية، عكس الجالية المسلمة في بريطانيا التي تنتمي إلى مهد التمويل الإسلامي،الشرق الأوسط والخليج ودول جنوب شرق آسيا.

فرنسا، في أواخر ابريل 2011 أصدرت أول صكوك في السوق المالية الفرنسية يتماشى مع الشريعة الإسلامية، وبعدها دخلت مجموعة البنك الشعبي وبنك فرنسا في فتح نوافذ للمنتجات الإسلامية (المرابحة والإجارة، ..) التي تساير متطلبات سوق العقار الفرنسي.

وظهرت بعدها المؤسسة الفرنسية المالية الإسلامية IFFIالتي يترأسها وزير الخارجية الأسبق ورئيس غرفة التجارة الفرنسية العربية لتعزيز التمويل الإسلامي في فرنسا. أعطت Herve de Charetteفي عهد حكومة ساركوزي إشارات واضحة لاستقطاب رأسمال الإسلامي، فقامت بعدها عدة بنوك إسلامية في زيارات إلى فرنسا لمعرفة الفرص التي تتيحها فرنسا للتمويلات الإسلامية، حيثتشير تقارير فرنسية إلى قرب افتتاح أول بنك إسلامي في فرنسا والمرجح حسب نفس التقارير إلى البنك الإسلامي الدولي القطري.

البنوك الإسلامية في باقي الدول الأوربية:

بريطانيا (22)، فرنسا (3)، سويسرا (4)، ألمانيا (2)، لوكسمبورغ (1)، روسيا (1)، ايرلندا (1). بينما تبقى باقي الدول الأوربية ذات الجالية المسلمة من أصول مغاربية (هولندا، اسبانيا، بلجيكا، ايطاليا، الدانمرك، السويد، النرويج، ...) بعيدة كل البعد عن ثقافة البنوك الإسلامية، نظراً للبعد الثقافي المبني على ثقافة البلد الأصل، لكن اسبانيا التي بدأت مؤخراً الدخول في ميدان الصيرفية الإسلامية حيث تم يوم 15 مارس 2013 تأسيس أول مركز للدراسات والأبحاث في الاقتصاد والمالية الإسلامية الذي يضم نخبة من الأكاديميين والباحثين في ميدان الصيرفية الإسلامية )نحن عضو مؤسس للمركز(ينتمون إلى دول، المغرب، إسبانيا، البيرو، والمكسيك من أجل التعريف بماهية الصيرفية الإسلامية في المجتمع الإسلامي والمجتمع الاسباني بصفة عامة، وفتح قنوات التواصل مع مختلف المهتمين، المستثمرين، الباحثين، المؤسسات وكذلك الدولة الاسبانية للشروع في التفكير لفتح الباب أمام هذه البنوك للاستثمار في اسبانيا.

البنوك الإسلامية في باقي الدول الأوربية:

تشير آخر الأبحاث والدراسات (احمد بلوافي 2011 وآخرون) إلى أن بريطانيا تستحوذ على 28% من تدريس المالية الإسلامية فيالعالمفي مختلفجامعاتها ومدارسها، تليها فرنسا ب 5%، إيطاليا 1%، بلجيكا 1%، سويسرا 1% وألمانيا 1%، كما تشير نفس الدراسات إلى أن تدريس المالية الإسلامية على الصعيد العالمي يتم باللغة الإنكليزية (75%)، والعربية 20%، والفرنسية 5%.

فؤاد بن علي

+974 4450 2111
info@alsayrfah.com