14 - مايو - 2024

دور الهيئات الرقابية في حوكمة المؤسسات المالية الإسلامية

تعد عملية تطوير حوكمة الشركات والمؤسسات المالية الإسلامية في الوقت الحاضر أمراً ضرورياً يصب في اتجاه تدعيم وتعزيز مكانة المصارف في الاقتصاد، مع ضمان تجنب مختلف المخاطر بما فيها المخاطر المالية، خاصة بعد الفضائح المالية الكثيرة والانهيارات الاقتصادية  المتعددة، وما تبعها من أحداث متلاحقة في الأسواق المالية من فساد إداري ومحاسبي، فضلاً عن ضعف الجانب الرقابي على الأنشطة المالية المختلفة في المؤسسات المالية وغير المالية، وغير ذلك من الأسباب التي أدت بدورها إلى بروز تساؤلات عديدة حول ضرورة وضع مجموعة من الضوابط الأخلاقية والمبادئ المهنية التي يمكن أن تتكفل في حماية  حقوق الأطراف المعنية (أصحاب المصالح).

ولا شك أن وجود نظام موحد وفعال لحوكمة المصارف الإسلامية يسهم بشكل كبير في تكوين قاعدة من الثقة والشفافية المتعلقة بالعمليات المصرفية الإسلامية السليمة، ويستهدف في الوقت نفسه تحسين كفاءة وأداء الأعمال المصرفية الإسلامية. لذلك كان من المهم توضيح أهمية توافر بنية حوكمية متكاملة تعزز نمو وازدهار المؤسسات المالية، وتمكن السلطات الرقابية من تدقيق المنتجات المالية بناء على عناصر حاكمية إسلامية وليست ربوية(1).

من هنا فإن المصارف الإسلامية يواجهها نظام حوكمة مزيج بين قواعد وأنظمة مفروضة من طرف المساهمين والهيئات الدولية التقليدية، ونظام حوكمة إسلامي صادر عن: مجلس الخدمات الإسلامية ومعايير صادرة عن منظمة المحاسبة والتدقيق للمؤسسات المالية الإسلامية، والمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، إضافة إلى الهيئات المختصة بالرقابة الشرعية.

هذا ما سيتم مناقشته في هذه الدراسة التي تهدف بإذن الله تعالى إلى إزالة الضبابية التي تواجهها المؤسسات المالية عند تطبيق الحوكمة  – الصادرة عن جهات متعددة – بما يحقق توافقاً أفضل بين الأهداف والمقاصد التي أنشئت من أجلها المؤسسات المالية الإسلامية ورفع كفاءتها.

التحول‭ ‬للتمويل‭ ‬الإسلامي

يشهد النظام المالي العالمي التقليدي تحولاً جذرياً باتجاه التمويل الإسلامي، إذ سجلت الأصول المصرفية الإسلامية العالمية معدل نمو تراكمياً سنوياً بنسبة 16 %خلال الفترة من (2008-2012)(2)، وتعتبر الإمارات محوراً رئيساً في قطاع التمويل الإسلامي، فقد ارتفع إجمالي الأصول المصرفية الإسلامية في الإمارات إلى 95 مليار دولار عام 2013 مقارنة مع 83 مليار دولار عام 2012 بنمو 14,5% ويتوقع استمرار هذه الوتيرة من النمو وصولاً إلى عام 2018 لتسجل الأصول المصرفية الإماراتية الإسلامية 17% معدل نمو سنوياً مركباً(3).

إن مبادرة دبي عاصمة للاقتصاد الإسلامي سوف تدفع أداء المؤسسات المصرفية الإسلامية قدماً سواء على مستوى دولة الإمارات، أو حتى على المستوى العالمي. وتجدر الإشارة هنا إلى أن أهمية هذه المبادرة تكمن في عدم اقتصارها على قطاع المصارف والتمويل، حيث تمتد لتشمل الصناعات المرتبطة بالأطعمة الحلال والسياحة وقطاع الضيافة وقطاعات أخرى ذات صلة بنمط الحياة المتوافق مع الشريعة الإسلامية الغراء، وبذلك يكون تأثيرها شاملاً على كثير من القطاعات والمجالات، كما أن الأهمية الكبرى التي توليها الممارسات المتوافقة مع الشريعة للناحية الأخلاقية في التعاملات والأعمال سيجعل من التميز في أداء الحوكمة أمراً على قدر كبير من الأهمية في كل المؤسسات والشركات ذات الصلة بهذه المبادرة .

الإطار‭ ‬العام‭ ‬لمفهوم‭ ‬ودور‭ ‬السلطات‭ ‬الإشرافية‭  ‬في‭ ‬الحوكمة‭ ‬المصرفية

أدت الحوادث التي وقعت خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي إلى إعطاء الأولوية للموضوعات المتعلقة بالحوكمة المؤسسية المتمثلة بالفضائح المالية التي أصابت عدداً كبيراً من الشركات العالمية بصفة عامة والأمريكية بصفة خاصة، وما تبعها من أحداث متلاحقة في الأسواق المالية من فساد إداري ومحاسبي فضلاً عن ضعف رقابي على الأنشطة المالية المختلفة في المؤسسات المالية وغير المالية، وغير ذلك من الأسباب التي أدت بدورها إلى بروز تساؤلات عديدة حول ضرورة وضع مجموعة من الضوابط الأخلاقية والمبادئ المهنية ومرتكزات كفيلة بحماية حقوق الأطراف المعنية (أصحاب المصالح)، كل ذلك أسهم في تحديد نطاق هذا المفهوم وإرساء قواعده(4).

مبادرة‭ ‬دبي‭ ‬عاصمة‭ ‬للاقتصاد‭ ‬الإسلامي‭ ‬ستدعم‭ ‬أداء‭ ‬المؤسسات‭ ‬المصرفية‭ ‬الإسلامية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الإمارات‭ ‬وعلى‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي

تجدر الإشارة إلى أن مصطلح الحوكمة أو الحوكمة المؤسسية هو مصطلح فرض نفسه وأوجد ذاته. والدافع وراء شيوع هذا المفهوم هو تناغمه مع لفظي العولمة والخصخصة اللذين دار حولهما جدل كبير في بداية ظهورهما، ويشير لفظ الحوكمة إلى الترجمة العربية للأصل الانكليزي للكلمة الذي توصل إليه مجمع اللغة العربية بعد عدة محاولات لتعريب الكلمة، إذ تم مسبقاً إطلاق مصطلحات أخرى مثل: الإدارة الرشيدة، الإدارة الجيدة، الضبط المؤسسي، التحكيم المؤسسي، الحاكمية المؤسسية، حوكمة الشركات ومصطلحات أخرى.

وهذه الدلالات للحوكمة تتفق مع ما جاءت به الشريعة الإسلامية من الأصل وليس كحالة طارئة، فحفظ المال يعتبر أحد المقومات الخمس التي يعتبر حفظها وحمايتها بتحقيق النفع منها ومنع الفساد عنها أحد المقاصد الأساسية للشريعة الإسلامية، ومن هنا وفى مجال الشركات وما يتعلق بها جاءت الأحكام الشرعية للشركات بجميع أنواعها وكذا عقد الوكالة لتنظيم علاقة الإدارة بالشركة والمساهمين.

إلا أن الأكثر شيوعاَ وتداولاً من قبل الكتاب والباحثين هو مصطلح حوكمة الشركات أو الحوكمة المؤسسية، الذي يتكون من مصطلحين هما الحوكمة والمؤسسية، والحاكمية أو الحوكمة كمفهوم يتضمن العديد من الجوانب ويظهر ذلك فيما يلي(5):

الحكمة: ما تقتضيه من التوجيه والإرشاد.

الحكم: ما يقتضيه من السيطرة على الأمور بوضع الضوابط والقيود التي تتحكم في السلوك.

الاحتكام: ما يقتضيه من الرجوع إلى مرجعيات أخلاقية وثقافية وإلى خبرات تم الحصول عليها من خلال تجارب سابقة.

التحاكم: طلباً للعدالة خاصة عند انحراف السلطة وتلاعبها بمصالح المساهمين.

أما المؤسسية فمشتقة من كلمة مؤسسة، وقد تناولت الأدبيات الإدارية والمحاسبية كثيراً من التعريفات التي تطرق لها عدد من الخبراء والباحثين.

الحوكمة‭ ‬هي‭ ‬النظام‭ ‬الذي‭ ‬تتم‭ ‬بموجبه‭ ‬إدارة‭ ‬البنوك‭ ‬ومراقبتها‭ ‬بهدف‭ ‬تحقيق‭ ‬غاياتها‭ ‬وأهدافها

من أوائل من اهتم بهذا الموضوع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية؛ إذ قدمت أول تعريف لها عام 1999 بأنها «ذلك النظام الذي يوضح كيفية إدارة منشآت الأعمال المالية والرقابة عليها»، وتأسيساَ على ما تقدم فإن الحوكمة المؤسسية هي «مجموعة القواعد والإجراءات والنظم (الإدارية، والقانونية، والمحاسبية، والمالية، والاقتصادية) والتعليمات التي توجه سلوك الشركة وتحكم العلاقة بين كل من الأطراف المشاركة في النشاط بالشكل الذي يحقق التفاعل بين تلك الأطراف وبما يؤدي إلى تحسين الأداء ونزاهة السلوكيات والحد من الممارسات الخاطئة فضلاَ عن استغلال الموارد بكفاءة وفاعلية من أجل تحقيق أهداف الشركة»، وقد تطورت فكرة هذا المفهوم وتعززت أكثر نتيجة الجهود المبذولة التي برزت أعقاب الأزمة المالية الآسيوية التي حدثت في أسواق تايلاند وماليزيا عام 1997(6).

أولاً – تعريف حاكمية البنوك:

يعرف بنك التسويات الدولية التي تعمل تحت سلطته لجنة بازل للرقابة المصرفية الحوكمة في البنوك بأنها الأساليب التي تدار بها البنوك من خلال مجلس الإدارة والإدارة العليا والتي تحدد كيفية وضع أهداف البنك والتشغيل وحماية مصالح حملة الأسهم وأصحاب المصالح مع الالتزام بالعمل وفقاً للقوانين والنظم السائدة وبما يحقق حماية مصالح المودعين.

وتعرف الحوكمة أيضاً بأنها النظام الذي تتم بموجبه إدارة البنوك ومراقبتها ابتغاء تحقيق غاياتها وأهدافها، فهو النظام الذي يتعاملون بموجبه مع مصادر رؤوس الأموال (المساهمون والمستثمرون والمؤسسون)(7)، وتشمل الحوكمة من المنظور المصرفي الطريقة التي تدار بها شؤون البنك، من خلال الدور المنوط به كل من مجلس الإدارة والإدارة العليا، بما يؤثر في تحديد أهداف البنك، ومراعاة حقوق المستفيدين وحماية حقوق المودعين، وبازدياد التعقيد في نشاط الجهاز المصرفي، أصبحت عملية مراقبة إدارة المخاطر من قبل السلطة الرقابية غير كافية. لذا أصبحت سلامة الجهاز المصرفي تتطلب المشاركة المباشرة للمساهمين ومن يمثلونهم في مجلس إدارة البنك(8).

ومن التعريفات السابقة لحاكمية البنوك نستطيع استنتاج الأمور التالية(9):

أساليب مراقبة الأداء من قبل مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية للبنك التي من شأنها أن تؤثر في تحديد الأهداف ومراعاة حقوق حملة الأسهم وحماية حقوق المودعين، والفاعلين الداخليين، بالإضافة إلى علاقة هؤلاء بالفاعلين الخارجيين والتي تحدد من خلال الإطار التنظيمي وسلطات الهيئة الرقابية.

كما يتسع مفهوم الحوكمة ليشمل دور العامة وهم جميع الفاعلين الذين من شأنهم التأثير على أحكام الرقابة على أداء البنوك.

ثانياً – دور البنوك المركزية والسلطات الإشرافية في الحوكمة المصرفية:

تلعب البنوك المركزية دوراً أساساً في إرساء نظام حوكمة جيد داخل القطاع المصرفي، وذلك من خلال التنظيم الاحترازي والرقابة المصرفية وتأمين نظم الدفع، وتؤدى هذه الوظيفة من طرف البنوك المركزية في دول العالم وفق أشكال مختلفة، حيث نجد في بعض الدول تدخلاً مباشراً للبنك المركزي في إتمام هذه الوظيفة على عكس دول أخرى لم يتم استحداث هيئة مستقلة تتكفل بذلك، وقد يحدث توزيع هذه المهمة على عدة هيئات مشاركة في البنك المركزي على غرار ما يمارس في الولايات المتحدة الأمريكية(10)، ولكن مهما تعددت هذه الأشكال، فلابد من تدخل البنك المركزي بشكل أو بآخر للحفاظ على الاستقرار المالي والمصرفي من خلال اعتماد سياسة فاعلة لإدارة المخاطر، والواقع الذي يشهده عالم اليوم جراء الأزمة المالية يلقي مسؤولية كبيرة على البنوك المركزية في إيجاد الحلول المناسبة لمعالجة الأزمة، لما تتمتع به من سلطات واسعة يجعل دورها مصيرياً لتمكين الاقتصاد العالمي من الخروج من الأزمة الحالية.

إن الممارسة السليمة للحوكمة تؤدي إلى دعم وسلامة الجهاز المصرفي، وذلك من خلال المعايير التي وضعتها «لجنة بازل» للرقابة على البنوك وتنظيم ومراقبة الصناعة المصرفية والتي من أهمها: الإعلان عن الأهداف الإستراتيجية للجهاز المصرفي وللبنك تحديد مسؤوليات الإدارة والتأكد من كفاءة أعضاء مجلس الإدارة وإدراكهم الكامل لمفهوم الحوكمة، وعدم وجود أخطاء مقصودة من قبل الإدارة العليا، وبالتالي ضمان فاعلية دور المراقبين وإدراكهم لأهمية دورهم الرقابي بالإضافة إلى توفر الشفافية والإفصاح لإزالة ضبابية الرؤية في كافة أعمال وأنشطة البنك والإدارة.

ثالثاً – سياسة البنك المركزي في الرقابة على الائتمان المصرفي:

يعرف الائتمان بمعناه الواسع بأنه مبادلة قيمة حاضرة بقيمة آجلة، ومن أبرز الأمثلة على ذلك قيام بنك بتقديم قرض لشخص أو مشروع انتظاراً لقيام هذا الشخص برد قيمة هذا القرض في المستقبل، فالبنك الذي يتخلى عن قيمة القرض الآن وهو المقرض، إنما بادل قيمة حاضرة بقيمة آجلة يحصل عليها عند قيام المقترض بسداد قيمة القرض في المستقبل في الأجل المتفق عليه(11). أما الائتمان المصرفي: فهو الثقة التي يوليها البنك لعميله بمنحه قرضاً، لفترة محدودة وبشروط يتفق عليها بينهما(البنك والعميل) وذلك لقاء عائد معين يحصل عليه البنك من العميل، يتمثل في العوائد والعمولات المدينة(12).

البنوك‭ ‬المركزية‭ ‬تقوم‭ ‬بدور‭ ‬أساس‭ ‬في‭ ‬إرساء‭ ‬نظام‭ ‬حوكمة‭ ‬جيد‭ ‬داخل‭ ‬القطاع‭ ‬المصرفي

وينشأ الخطر عندما يكون هناك احتمال لأكثر من نتيجة مختلفة، والمحصلة النهائية

+974 4450 2111
info@alsayrfah.com