15 - مايو - 2024

فوضى المصارف الإسلامية

تشهد مسيرة المصارف الإسلامية إنطلاقة كبيرة تمثلت في انتشارها في مختلف أرجاء العالم، وقد عملت هذه المصارف على بناء مؤسساتها وتثبيت دعائمها والدخول في مختلف آفاق العمل المصرفي بمفهوم مختلف عن فكر وممارسات المصارف التقليدية، كما حققت نمواً ملموساً في مجال عملها وأصبحت من متطلبات العصر وضرورة اقتصادية تعتمد على منافذ مشروعة للحصول على الأموال واستثمارها بالطرق الشرعية، وبذلك تعد وسيلة فعالة لمحاربة ظاهرة الاحتكار وتشجيع الاستثمار الحقيقي.

وقد استطاعت المصارف الإسلامية بسبب طبيعتها ومنهجها وآليات عملها، التي تختلف عن المصارف التقليدية، تجنب التأثيرات السلبية للأزمة المالية العالمية عام 2008 حيث أنها لم تتأثر بتلك الأزمة مثل مثيلتها من المصارف التقليدية، ويرجع ذلك إلى أن المصارف الإسلامية لا تتعامل بالفائدة بل تتاجر بما تمتلك من أصول مادية لذا برزت في قوة أصولها.

ورغم أن عمر المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية يعد قصيراً مقارنة بالعمر الزمني للنظام المصرفي التقليدي في العالم إلا أنها تنمو بوتيرة متسارعة، في دليل على القبول الدولي لفكرة العمل المصرفي الإسلامي، حيث وصل حجم النمو السنوي في الصيرفة الإسلامية ما بين 15% إلى 20% كما أن حجم هذه الصيرفة على مستوى العالم بلغ تريليون و500 مليار دولار ومن المتوقع أن يصل إلى تريليوني دولار خلال خمس سنوات وأن يصل إلى 6 تريليونات دولار بحلول عام 2020، كما تطور عدد المصارف الإسلامية من 267 بنهاية عام 2003 إلى مايزيد عن 400 بنك إسلامي عام 2008 بالإضافة إلى بعض المصارف التي بها فروع ونوافذ إسلامية والتي يزيد عددها عن 320 بنك تقدم الخدمات المصرفية الإسلامية إلى جانب الخدمات التقليدية.

ويوجد حول العالم الآن أكثر من 200 دولة تلتزم بالمعايير الشرعية وهذا يترجم التقدير العالمي للصيرفة الإسلامية بدليل قيام مؤسسات دولية بتأسيس وحدات خاصة للخدمات المالية الإسلامية بهدف الاستفادة من الفرص المتاحة في هذه الصناعة المتنامية في أوساط المسلمين وغير المسلمين.

وعلى الرغم من أن الصناعة المصرفية الإسلامية صناعة متكاملة أثبتت وجودها وقدرتها على تقديم البديل المناسب للصيرفة التقليدية واستطاعت أن تجذب الاهتمام على جميع المستويات المحلية والإقليمية والعالمية، ورغم هذا النجاح للصيرفة الإسلامية إلا أنه تواجهها العديد من التحديات كما يشهد العمل فيها الكثير من أشكال الفوضى والقصور في الأداء التي تقف عائقاً أمام تطورها وتحقيق المزيد من الابتكارات ومنها:

• قلة علماء الشريعة المؤهلين الذي يجمعون بين الفهم العميق للشريعة وإدراك طريقة ومتطلبات العمل البنكي.

• تشكل الفتاوى الصادرة من بعض الهيئات الشرعية التابعة للبنوك الإسلامية بعض اللبس واللغط لدى المستثمرين، بسبب تضارب هذه الفتاوى في ما يتعلق بتحليل أو تحريم بعض الاستثمارات والمعاملات.

• عدم استقلال بعض أعضاء الهيئات الشرعية عن الإدارة التنفيذية للمؤسسة أو البنك وهو ما يؤثر على استقلالية أرائهم، وبذلك تصبح أراؤهم ضعيفة وغير ملزمة.

• الكثير من أعضاء هيئة الرقابة الشرعية يتحولون إلى أصحاب مصالح في البنوك الإسلامية، ويصبح شغلهم الشاغل الحصول على المكافآت والتسهيلات والسفريات، وبذلك يخضعون لسيطرة مجلس الإدارة الذي يستغلهم لصالحه.

• إلزام البنوك الإسلامية من جانب السلطات المصرفية في بعض الدول بعمليات ربما لا تتفق مع أساس عملها، مثل إلزامها بالاحتفاظ بنسبة من ودائعها في البنوك المركزية ويتم دفع فائدة عليها، وهو أمر يخالف منهج هذه البنوك.

• نقص الموارد البشرية المؤهلة القادرة على قيادة العمل في المصارف الإسلامية.

• ما زالت الهيكلة في اختصاصات المصارف الإسلامية مفقودة وغير مكتملة، وهذا يضعف من قدرتها على الإنجاز ويؤدي إلى الإربك والتعطيل وعدم تأدية كل مسؤول عمله حسب اختصاصه.

• الكثير ممن يعملون في البنوك الإسلامية تعود خلفيتهم العملية إلى البنوك التقليدية، ولم يدرسوا دراسات مصرفية إسلامية ولذلك من الممكن أن يقعوا في خطأ شرعي دون قصد، ومنهم من لا يبالي إذا كانت المسألة شرعية أو غير شرعية.

• بعض المصارف الإسلامية تفرض ما يسمى بغرامة التأخير وتحدد مقدارها إذا تأخر العميل عن دفع الأقساط، وهذا يدخل ضمن نطاق الربا إذا لم يُقنن وفقاً للرقابة الشرعية.

• البيع أو الشراء الصوري حيث تحولت صيغة المرابحة إلى صيغة التورق بالحصول على النقد السريع وليس السلعة عندما يقوم بعض المستفيدين بالاتفاق مع بائعي السلعة أن يقوموا بشرائها بواسطة المصرف، ثم بعد اتمام البيع يقوم المشتري ببيعها للبائع الأول بثمن أقل وهو محظور شرعاً.

• تراجع مستويات الإفصاح المالي، فيوجد العديد من المعلومات الرئيسية التي لا يتم تضمينها في التقارير المنشورة، مما يؤثر على وضع الاستثمار في هذه البنوك.

• نقص التشريعات والقواعد التنظيمية، إلى جانب الفجوة التكنولوجية مقارنة بالصناعة المصرفية التقليدية، علاوة على الافتقار إلى الدراسات والبحوث الخاصة بالتطوير ما يؤثر على قدرة البنوك الإسلامية على مواجهة الرغبات المتطورة لعملائها والمنافسة.

• تعاني المصارف الإسلامية من ضعف الاجراءات فيها وذلك نتيجة التداخل الكبير في وظائف الإدارات.

• ضعف الهيكل التنظيمي لدى البنوك الإسلامية، مما يخلق نوعاً من الضعف في الكادر الوظيفي وكذلك مستوى المسؤوليات.

• لازالت المصارف الإسلامية تعيش حالة من التخبط في طريقة التمويل، حيث تأخذ أحياناً في تمويل عملية عدة أساليب تمويلية تتنوع بين المرابحة والمضاربة والإجارة وهذا يتولد عنه صعوبة في فهم طريقة التمويل.

• عدم معرفة العديد من الموظفين في البنوك الإسلامية بأساليب وأدوات التمويل الواجب تقديمها للعميل، مما ينتج عنه تعثر العميل.

• استغلال أعضاء مجالس الإدارة نفوذهم في عمليات التمويل والاستفادة من سرعة السداد في الحصول على تمويل بأسلوب القرض الحسن.

• ضعف وسائل التكنولوجيا المستخدمة في المصارف الإسلامية، مما يخلق نوعاً من الفوضى في مواكبة ومنافسة المصارف الإسلامية للبنوك التقليدية في تقديم الخدمات المصرفية.

• النمط السائد في التمويل لدى المصارف الإسلامية يتركز في مشروعات قصيرة الأمد وذلك على حساب الاستثمار طويل الأمد في القطاعات التنموية مثل الصناعة والزراعة والإسكان.

• ارتفاع حجم السيولة لدى المصارف الإسلامية والتي تقدرها بعض الدراسات بحوالي 40% من أصولها مقابل 20% لدى البنوك التقليدية، مما يعبر عن تراجع معدلات التشغيل والاستثمار.

• قلة الأدوات والقنوات الاستثمارية لدى المصارف الإسلامية مما يجعلها تركز على منتج بعينه وهو ما ينتج عنه مخاطر على الأصول.

• عدم الالتزام بالمظهر السلوكي والأخلاقي الديني اللائق من قبل العاملين في المصارف الإسلامية، كما أن منهم من هم غير مسلمين وهذا يشكك في مصداقية المؤسسة المالية الإسلامية ويزعزع الثقة فيها وفي أعمالها.

الدكتور هاشم السيد

+974 4450 2111
info@alsayrfah.com