26 - أبريل - 2024

العملات الرقمية بالبنوك المركزية

التطور التكنولوجي والتقني المتسارع في النظام المالي والمصرفي العالمي، وما يطلق عليه «رقمنة» الخدمات المالية والمصرفية، خاصة بعد أحداث فيروس «كوفيد-19»، بات الشغل الشاغل لخبراء البنوك والمؤسسات المالية في العالم، حيث أثبتت تجربة الحلول المصرفية الإلكترونية جدواها خلال مرحلة الجائحة بشكل غير متوقع، فلم يعد عملاء البنوك يحتاجون إلى زيارة المصارف إلا نادراً وفي حالات معينة، فجُل المعاملات المصرفية أصبحت متاحة من خلال التطبيقات الخاصة بالهاتف المحمول، وهذا بلا شك خفف العبء كثيراً على موظفي المصارف من جهة، وسهّل على العملاء الاستفادة من التطبيقات الإلكترونية في إنهاء معظم الخدمات والأنشطة والمعاملات المصرفية التي تقدمها البنوك، بالإضافة إلى توفير الوقت والجهد لكل من موظف البنك والعميل.

ولقد تسبب انتشار العملات الرقمية المشفرة وتداولها على نطاق واسع بين هواة الاستثمار عبر الإنترنت، وحالة الجدل الكبيرة التي صاحبت هذا الانتشار؛ ما بين مؤيد ومعارض، وما بين مُحرِّم ومجيز، تسبب ذلك في لجوء بعض البنوك المركزية في العالم إلى البحث عن وسيلة تستطيع من خلالها مواجهة هذه الظاهرة – ظاهرة العملات الرقمية المشفرة – وذلك عن طريق إصدار عملات رقمية موازية لتلك العملات المشفرة؛ التي هي في الواقع «مجهولة الأصل» ولا تُعرف الجهة القائمة عليها والمشرفة على إدارتها، وفي هذا الإطار بدأت البنوك المركزية العالمية تسعى لاختبار جدوى مشروع العملات الرقمية، وتقييم كافة الجوانب المتصلة بها؛ من حيث التصميم ودراسة الآثار المختلفة لهذه العملات على الاستقرار المالي والسياسات النقدية ومكافحة غسل الأموال ومواجهة تمويل الإرهاب، وغيرها، بحيث يحدد كل بنك مركزي الأسباب التي دفعته إلى إصدار وتصميم العملة الرقمية بما يتناسب مع الموارد المتاحة والأهداف والآثار المترتبة على إصدارها، أخذاً في الاعتبار ظروف كل دولة، وبنيتها التحتية، والأطر القانونية والتنظيمية المحيطة بعملية الإصدار.

وفي مواجهة مخاطر العملات المشفرة، أقدمت بعض البنوك المركزية في العالم على إصدار عملات رقمية بهدف تسهيل عمليات البيع والشراء والدفع الإلكتروني.. فهل تستطيع هذه الخطوة مواجهة العملات الرقمية المشفرة؟ وهل تلقى قبولاً من قبل الأفراد مع تحكم البنوك المركزية في حرية تداول النقد؟ وما طبيعة هذه العملات؟

خبراء المال والمصارف في العالم يؤكدون أن هذه العملات سوف تتيح درجة أكبر من الأمان، إذ إنها ليست متقلبة بطبيعتها، إذ تحكمها قوانين ونظم، وتشرف عليها جهات مصرفية رسمية، فضلاً عن أنها تخضع لنظام مالي دقيق كونها صادرة عن البنوك المركزية، بالإضافة إلى أنها تعزز الشمول المالي، وتجعل أنظمة الدفع المحلية أكثر صلابة، كما ترفع من مستوى الشفافية في تدفقات الأموال.. ومع ذلك فإنها لا تخلو من بعض المخاطر التي ينبغي على البنوك أخذها في الاعتبار؛ فقد يقدم المودعون على سحب كميات كبيرة من الأموال من البنوك دفعة واحدة لشراء عملات البنك المركزي الرقمية، مما يمكن أن يتسبب في أزمة حقيقية، ومن هنا فإن عليها أولاً أن تدرس جيداً مدى قدرتها على إدارة المخاطر التي قد تواجهها جراء سيرها في هذا الاتجاه، مع الحرص على ضمان النزاهة المالية وخصوصية البيانات 

لقد أعلنت بالفعل بعض البنوك المركزية عن نيتها إصدار عملات رقمية، ومنها الصين على سبيل المثال، حيث أعلن البنك المركزي الصيني عن نيته إصدار اليوان الرقمي وأنه يسعى لأن يصبح أول بنك مركزي رئيس يصدر العملة الرقمية، كما يبحث البنك المركزي الأوروبي إطلاق اليورو الرقمي، وهناك بنوك مركزية أخرى تقيّم الموضوع من جميع جوانبه قبل اتخاذ أية خطوة في هذا الصدد.

وإلى حين انتهاء البنوك المركزية من دراسة الموضوع وتحديد مصير العملات الرقمية المزمع إصدارها، تبقى العملات الرقمية المشفرة هي التي تتصدر المشهد، على الرغم من افتقادها للأمان المالي الذي تتمتع به الأموال التقليدية في العادة، وتأثيراتها السلبية على الاقتصاد العالمي، وتقلباتها اليومية صعوداً وهبوطاً، وعدم خضوعها لرقابة حكومية أو شبه حكومية لا محلياً ولا دولياً، فضلاً عن إمكانية استخدامها في عمليات غير مشروعة مثل غسل الأموال والتجارة في الممنوعات، وكذلك التهريب والعمليات الإرهابية .. وغيرها.

فهل تنجح البنوك المركزية الرئيسة في هذه الخطوة بإصدار عملات رقمية منظمة ومقننة تخضع لرقابتها وتؤمّن لعملاء البنوك متطلباتهم، وفي نفس الوقت تحد من انتشار العملات المشفرة؟ 

عبدالوهاب الطويل awahab.altaweel@gmail.com

+974 4450 2111
info@alsayrfah.com