25 - أبريل - 2024

خيار الشرط في المرابحة

خيار الشرط مشروع بإجماع العلماء(المغني، ج6، ص30)، والهدف منه حماية مصالح البيع المشروع وإتمامها، لكنه يعطي حماية لأحد الطرفين أو كليهما فيما لو لم تكن نتائج العقد محققة لمصلحته. لكن الهدف من المبادلة يظل هو إتمامها وليس إلغاءها. فوظيفة خيار الشرط تشجيع الطرفين على الدخول في العقد بناء على أن الغالب هو إتمام العقد. ولكن احتياطاً لما قد يصيب أحد الطرفين أو كلاهما من الضرر، يتم استخدام خيار الشرط.

ولهذا يجب أن يكون الهدف من المبادلة هو إتمام العقد وليس إلغاءه. أما إذا كان الغالب على المعاملة، ومقصود الطرفين، هو تنفيذ الخيار وإلغاء البيع، فإن الخيار في هذه الحالة يستخدم في نقيض ما شرع له، كما هو الحال في بيع الوفاء، ولا معنى لإبرام عقد يراد أساساً إلغاءه، لأن هذا لغو وعبث، ولكن عبث في التشريع. وبهذا الضابط الجوهري يمكن تطبيق خيار الشرط للتحوط بما لا يخل بمقصود البيع ولا يقضي الغرر.

وأوضح تطبيقات خيار الشرط هو في مجال المرابحة للآمر بالشراء، حيث يشتري البنك السلعة من التاجر بالخيار، ثم يعرضها على العميل، فإن رغب فيها باعها البنك إلى العميل وألغى خياره مع التاجر.

ونظراً لأن المرابحة يمكن أن تستخدم لإدارة المخاطر، فيمكن تطبيق خيار الشرط في هذا النوع من المرابحة كذلك. وقد يتطلب ذلك دخول أكثر من مصرف في العملية، وسبب وجود مصرفين هو اختلاف العملة بين المصرف الأول والثاني، بحيث يشتري المصرف الأول السلعة من التاجر (المصدّر) بالدولار مثلاً، ثم يبيعها على المصرف الثاني بالجنيه، الذي يبيعها بدوره على العميل بالجنيه مؤجلاً.

وقد يكون السبب هو اختلاف مكونات الثمن المؤجل، كما سبق، بحيث يشتري المصرف الأول السلعة ثم يبيعها بثمن منوع على المصرف الثاني، ثم يبيعها المصرف الثاني على العميل مقابل ثمن من عملة واحدة.

وقد يكون السبب هو اختلاف الجدارة الائتمانية، حيث يرفض المصرف الأول مثلاً تمويل عميل بتصنيف ائتماني منخفض، فيبيعها بدلاً من ذلك على المصرف الثاني، ثم يبيعها الآخر على العميل.

فإذا أردنا تطبيق خيار الشرط للتحوط في هذه الظروف، فإن المصرف الثاني لا يمكنه أن يعرض السلعة على العميل قبل أن يتملك السلعة، وهذا يقتضي أن يشتري المصرف الأول السلعة بالخيار، ثم يبيعها خلال مدة الخيار على المصرف الثاني بالخيار أيضاً، ثم يعرضها الأخير على العميل، فإن رضي بها تم البيع للجميع، وإلا أعادها المصرف الثاني إلى الأول، والأول إلى التاجر.

وهذه المسألة تندرج ضمن ما يعرف عند الفقهاء بالتصرف في المبيع خلال مدة الخيار، هل يسقط الخيار أم لا؟ فلو اشترى شخص سلعة بالخيار، ثم باعها، فإن الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة، وابن القاسم من المالكية، يذهبون إلى أن هذا التصرف فسخٌ لخياره وإبطال له، لأنه يدل على الرضا بالبيع، فيدل من ثم على إمضاء البيع وسقوط الخيار. وذهب عدد من المالكية، وهو وجه عند الشافعية والحنابلة، إلى أن الخيار لا يَسقط إلا بتصريح المشتري بالاختيار لإتمام العقد صراحة، وما لم يصرح بذلك فلا يعد مجرد البيع إمضاء له (المغني 6/18-19)، وأجاز الشافعية لمن اشترى سلعة بالخيار أن يعرضها للبيع، وكذلك أن يهبها أو يرهنها دون إقباضها، ولم يعدّوا ذلك إمضاء للبيع. كما أجازوا إذا اشتري الشخص سلعة بالخيار أن يكون له الخيار، ولم يعدّوا ذلك إمضاء للبيعة الأولى، وهذا يشمل ما إذا كان المشتري الثاني له الخيار أيضاً أم لا، فمادام المشتري الأول له الخيار في البيعة الثانية، فهو عندهم أشبه البيع قبل القبض (حاشية ابن قاسم العبادي 4/350، أسنى المطالب 2/56).

وإذا كان كذلك فيمكن للمصرف الأول أن يشتري السلعة من التاجر بالخيار، ثم يبيعها على المصرف الثاني، على أن يكون الخيار لكلا المصرفين. ثم يقوم المصرف الثاني بعرضها على العميل، فإن قَبِل العميل، أمضى المصرف الأول البيع من جهته، وأتم المصرف الثاني البيع على العميل.

وفي جميع الأحوال فإنه لا يحق لأي من المصرفين أن يربح دون أن تدخل السلعة في ضمانه منعاً لربح ما لم يضمن، فالسلعة يجب أن تدخل في ضمان المصرف الأول ليستحق الربح من بيعها على الثاني، والثاني ليربح من بيعها على العميل.

ويلاحظ أن هذا الترتيب لا يضيف تكاليف إضافية مقارنة بالتحوط التقليدي، لأن عدد العقود وعدد الأطراف هو نفسه في الحالين، وإنما الفرق في التمويل الإسلامي هو ترتيب الخطوات لا أكثر، وإذا تم ذلك بشكل منهجي، لم تتضرر الكفاءة، بينما تتحقق المصداقية من خلال تكامل التحوط مع النشاط الحقيقي.

 

الدكتور. سامي بن إبراهيم السويلم

+974 4450 2111
info@alsayrfah.com