19 - أبريل - 2024

التضخم وتأثيراته في أصول المالية الإسلامية

التضخم اليوم يعد المرض الأكثر إلحاحا لمعالجته اقتصاديا، حيث بدأ الفيدرالي الأمريكي حادا في هذا الموضوع متخذا إجراءات قد يكون لها دور سلبي في نشاط الأسواق المالية ومعدلات البطالة للحد من التضخم في الأسعار، إذ وصل مؤشر التضخم في الولايات المتحدة إلى مستويات لم يصلها منذ عقود وكذا في معظم دول العالم لارتفاع الأسعار في مختلف السلع لأسباب متعددة يشهدها العالم خلال الفترة الحالية.

وبدأ يتراجع مؤشر التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية إلى 8.5 في المائة من معدله السابق الذي فاق 9 في المائة، وجاء أقل من التوقعات التي كانت تميل إلى أن يكون معدل التضخم في مستويات أعلى من 8.5 في المائة، ويرى كثير من المراقبين أن هذا الانخفاض إيجابي ويمكن أن يجعل الاحتياطي الفيدرالي أقل حدة في رفع أسعار الفائدة، ومن خلال النظر إلى موضوع التضخم نجد أن له تأثيرا في الأسواق عموما، وفي الاقتصادات العالمية وقطاع التمويل والاستثمار في المالية الإسلامية يتأثر بالتأكيد بمثل هذه المتغيرات، ومن هنا يمكن تقييم هذه المتغيرات وأثرها عموما في التمويل الإسلامي.

لعل أهم عنصر مرتبط بأثر التضخم هو مسألة التمويل حيث كانت تكلفة التمويل لدى المؤسسات المالية الإسلامية منخفضة بصورة كبيرة، إذ تتأثر تكلفة التمويل بين البنوك بمؤشرات السايبر التي ترتفع بصورة واضحة بسبب ارتفاع سعر الفائدة الذي تحدده البنوك المركزية، وحيث إنه خلال الفترة الماضية كان منخفضا فإن المؤسسات المالية الإسلامية لديها طلب كبير على التمويل، كما أن البنوك المركزية وفي إطار سعيها إلى تنشيط السوق ضخت مزيدا من السيولة في البنوك بما فيها المؤسسات المالية الإسلامية، وبدوره أدى إلى تحقيق عوائد جيدة حيث كانت تكلفة السيولة أشبه بالمجاني، ما جعل البنوك عموما تقدم عروضا وتسوق لمنتجات ائتمانية متعددة عززت من أرباحها وقدرتها على التمويل، ومع رفع سعر الفائدة فإن هناك متغيرا وهو ارتفاع تكلفة السيولة الذي قد يؤدي إلى ضعف الهوامش الربحية من محفظة التمويل لدى البنوك كي تقدم أسعارا نسبيا مغرية للافتراض أو الحصول على التمويل، وفي ظل وجود التضخم في الأسعار وتأثر الأسواق أصبحت خطط توسع المشاريع أقل جرأة خصوصا مع ارتفاع تكلفة التمويل، في المقابل الصورة قد تكون مختلفة نسبيا لدى المؤسسات المالية الإسلامية، حيث إنها لا تقدم فوائد على الودائع كما أن محفظة التمويل الأضخم لديها في الأغلب تأتي من قطاع الأفراد الذين قد يكون لديهم شيء من الإحجام لأخذ التمويل بسبب ارتفاع التكلفة، إلا أن تأثرهم أقل في الأغلب من قطاع الشركات.

التضخم قد يجعل المستثمرين يميلون إلى الاستثمار في الأدوات الأكثر أمانا وأقل مخاطرة نظرا إلى تقلبات الأسواق وعدم اليقين فيما يتعلق بأرباح الشركات في ظل تباطؤ محتمل لاقتصادات بعض الدول، ولذلك من المتوقع الإقبال بصورة أكبر على الصكوك الإسلامية وزيادة الطلب عليها في ظل ضعف محتمل للإصدارات الجديدة، نظرا إلى ارتفاع تكلفة العائد على الصكوك الإسلامية، وهذه الأداة تعد الأكثر أهمية في هذه المرحلة، كما أن من الأصول منخفضة المخاطر لدى المؤسسات المالية الإسلامية صناديق المرابحة التي ستستفيد من الارتفاعات الحالية لنسبة الفائدة باعتبار أنها تتأثر بشكل طردي بالمتغيرات في معدلات السايبر، وهذا يجعل الاستثمار فيها مجديا، كما أن بعض المؤسسات المالية الإسلامية لديها بعض الحسابات المرنة التي تجعل المصرف يستثمر هذه الأموال في استثمارات تعتمد عقود المرابحة في معاملات يومية، ما يعزز فرص إقبال البعض على الادخار على المدى القصير في ظل وجود عائد مناسب، ويشجع أيضا على تخفيف حدة الإنفاق وزيادة حجم السيولة في الأسواق في ظل وجود تضخم كبير في الأسعار.

الخلاصة، إن التضخم اليوم يعد إحدى أكثر المشكلات الاقتصادية خطرا في هذه الفترة، ما جعل الاحتياطي الفيدرالي يتصرف بشكل حاد للحد من التضخم رغم الآثار الجانبية التي يمكن أن تنشأ بسبب ذلك، وفي ظل التقلبات المحتملة في الأسواق فإن الأدوات منخفضة المخاطر في المؤسسات المالية الإسلامية ستكون الأكثر استفادة من الارتفاعات في أسعار الفائدة، مثل الصكوك الإسلامية، وصناديق الاستثمار في المرابحة، إضافة إلى الحسابات الادخارية التي تعتمد الاستثمار بالمضاربة مع المؤسسات المالية الإسلامية في أدوات منخفضة المخاطر سهلة التسييل عند الطلب.

د.صلاح بن فهد الشلهوب

+974 4450 2111
info@alsayrfah.com